قد يقع في الخاطر تساؤلاً عن الذوق الأدبي ما إذا كان له أن يجتمع والثورة في قلب رجل مناضل واحد؟!
ففي عام 2004 ومن عتمة زنزانة تقبع في سجن بئر السبع، تظهر للنور رواية أسير .. خطّها في جنح الظلام، ونسخها العشرات، وسربها آخرون بحيلة تلو حيلة بعيداً عن أعين الجلادين وقبضاتهم الدنسة .. والتي قال فيها ابتداءً: “هذه ليست قصتي الشخصية وليست قصة شخص بعينه رغم أن كل أحداثها حقيقية! كل حدث منها أو كل مجموعة أحداث تخص هذا الفلسطيني أو ذاك .. الخيال في هذا العمل فقط في تحويله إلى رواية تدور حول أشخاص محددين ليتحقق لها شكل العمل الروائي وشروطه، وكل ما سوى ذلك حقيقي عشته، وكثير منه سمعته من أفواه من عاشوه هم وأهلوهم وجيرانهم على مدار عشرات السنوات على أرض فلسطين الحبيبة .. اهديه إلى من تعلقت أفئدتهم بأرض الإسراء والمعراج من المحيط إلى الخليج، بل من المحيط إلى المحيط“.
وما عسى القلم أن يسطّر في التعريف بهذا الأسير الذي ارتقى شهيداً؟
إنه أبو ابراهيم .. يحيى إبراهيم حسن السنوار (1962 : 2024) أبرز مناضلي حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، والذي ترأس إدارة مكتبها السياسي في قطاع غزة عقب استشهاد رئيسها الأسبق إسماعيل هنية في أغسطس 2024، والذي استهدفته قوات الاحتلال الإسرائيلي كعقل مدبر لعملية طوفان الأقصى الدائرة منذ السابع من أكتوبر 2023، حتى تمكّنت منه في 16 أكتوبر 2024 بقذيفة دبابة أطلقتها وهو وسط مبنى متهالك في حي تل السلطان بمدينة رفح، وحيث المسيّرة الإسرائيلية توثق نضاله الأخير بعصا ذهبت كمضرب مثل في النضال حتى آخر رمق!
يولد يحيى السنوار في مخيم خان يونس لعائلة نزحت من مدينة عسقلان بعد نكبة 1948، حيث ينهي تعليمه في مدارس المخيم ثم يحصل على درجة البكالوريوس في اللغة العربية من الجامعة الإسلامية في غزة. وفي الثمانينات، يلتحق بحركة حماس، ويقترح على مؤسسها (الشيخ أحمد ياسين) بتأسيس جهاز الأمن والدعوة (مجد)، ليتولى مهمة القضاء على عملاء إسرائيل وجواسيسها من الفلسطينيين، ضمن مجموعة من الاقتراحات تأخذ على عاتقها تعزيز الجانب الأمني للحركة، وهو الجهاز الذي لعب بمرور الوقت دوراً محورياً في تعقّب العملاء واستجوابهم، بل وتعدى ليشمل جهاز المخابرات الإسرائيلية وضباطها، الأمر الذي مكّن الحركة من التصدي للاختراقات الأمنية.
في عام 1989 تصدر محكمة إسرائيلية في حقه حكماً بالسجن المؤبد أربع مرات بتهمة قتل أربعاً من الفلسطينيين أدانهم الجهاز الأمني لحركة حماس بالعمالة، إضافة إلى خطف وقتل اثنان من الجنود الإسرائيليين، حيث أمضى اثنان وعشرين عاماً في سجون الاحتلال، أتقن فيها اللغة العبرية وتعرف على المجتمع الإسرائيلي عن قرب، إذ دأب على متابعة الإعلام العبري وقنواته الإخبارية، واطلع على المواد البحثية المتعلقة بأوضاعه الداخلية، في الوقت الذي كان يمضيه طويلاً في الحديث مع الإسرائيليين وتعلم ثقافتهم، حتى بات يُعرف لديهم كأبرز سجين من قادة حماس! يتم الافراج عنه وعن أكثر من ألف أسير فلسطيني عام 2011 ضمن عملية تبادل أسرى عُرفت باسم صفقة (وفاء الأحرار)، مقابل إطلاق سراح جندي إسرائيلي يُدعى جلعاد شاليط، فيعود بعد هذه المدة لاستئناف دوره في المكتب السياسي لحماس، وكمنسق عام بينه وبين كتائب عز الدين القسام. لقد سبقت تجربة الأسر هذه اعتقال إداري عام 1982 دام أربعة أشهر، تبعتها ثمانية أشهر أخرى عام 1985 بتهمة تأسيس الجهاز الأمني والعسكري الآنف الذكر! وقد أدرجت الولايات المتحدة عام 2015 اسمه ضمن (القائمة السوداء للإرهابيين الدوليين) إلى جانب اثنين آخرين من قادة حماس. والجدير بالذكر أنه أدلى باقتراح إطلاق سراح جميع الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، مقابل إطلاق سراح جميع الرهائن المختطفين أثناء عملية طوفان الأقصى!
إنها رواية يحركها الصدق في المقام الأول وليست بمحض خيال، بل إنها رجاء عاش عليه مؤلفها ومات عليه، تعبّر عن سريرته التي احتوت ضميره وقضية وطنه وعدوه والعالم من ورائه بأسره .. وهو لم يزل بين أبناء وطنه أنموذجاً للجبروت الذي أبى إلا أن يقتلع الشوك الذي زرعه مغتصب الأرض فوق حقل قرنفل! قد تأخذ الرواية في طابعها العام قالب العمل الوثائقي في تجسيد القضية الفلسطينية ككل، في الجوانب التاريخية والسياسية وعمليات المقاومة الفردية والشعبية والمسلحة، والجوانب الاجتماعية والنفسية المتمثلة في مشاعر الذل والهوان والانكسار وضعف الحيلة، وألم الصراع والفراق والقتل والتهجير تحت حر الصيف في المخيمات وبرد الشتاء، والأمل بتحرير الأرض والاستقلال والعودة من منافي الشتات للمدن والقرى المهجّرة، وجوانب متفرقة من فرح وفخر ونشوة عابرة بلحظات نصر لم تكتمل!
إنها رواية يسردها (أحمد) من بدايتها حتى نهايتها في ثلاثين فصلاً .. والذي يظهر فيها ابتداءً كطفل فلسطيني يحيا وعائلته في مخيم الشاطئ للاجئين في غزة أثناء حرب النكسة عام 1967، وينتهي كملثم يرفع سلاحاً بيد ويمسك بطفله (ياسر) المرفوع على كتفه بيد، يجوب الشوارع مع هدير الآلاف التي خرجت في انتفاضة الأقصى عام 2000 يتقدمها أبطال كتائب الشهيد عزالدين القسام براياتهم الخضراء، وأبطال كتائب شهداء الأقصى براياتهم الصفراء، وأبطال كتائب سرايا القدس براياتهم السوداء .. حيث يقول: “مرت فترة طويلة وأحداث الانتفاضة تتوالى وتتصاعد وتستمر، وقد امتدت حتى شملت كل الوطن، وأصبح معروفاً أن اسم هذه الأحداث هو الانتفاضة، حتى أن هذا الاسم دخل كما هو في اللغات الأخرى. حين تستمع إلى نشرات الأخبار في الراديو أو التلفاز الإسرائيلي تتكرر كلمة الانتفاضة، وكذلك حين تستمع إلى نشرات الأخبار في المحطات الأجنبية“.
وبعيداً بعيداً، يبدو أحمد وأخاه ورفاقهم من أبناء غزة تغمرهم الألفة مع جندي مصري كان يقف ضمن العسكر المصري كرئيس للقطاع آنذاك، يلاطفهم ويناولهم الحلوى ويشعرهم بالأمان، حتى وبين ليلة وضحاها -وقد اندلعت الحرب- يزجرهم جميعاً ويأمرهم بالعودة إلى مخيماتهم خائبين ومن غير حلوى، والذي من طرف المخيم الآخر يشهد انتقاء أشد الفتية ممن تجاوز الثامنة عشرة حيث تجري تصفيتهم على أيدي ضباط المخابرات الإسرائيلية .. الصدمة التي لا تقف لدى (أحمد) عند حد الجفاء وتصفية الأبرياء بدم بارد، بل تتعداها نحو الخنادق التي يحفرها أهله وجيرانهم ويختبئون بها لأيام خائفين حريصين على عدم إبداء صوت أو حركة، تحوطهم بين الحين والآخر الدوريات الإسرائيلية معلنة حضر التجول، والتي أخذت فيما بعد تقتحم البيوت على ساكنيها بين اشتباه وتفتيش واستجواب واعتقال، وقد اشتعلت العمليات الفدائية بين أبناء الشعب المقاوم سراً وجهراً ضد العدو المحتل! لم تكن حياة المخيمات أهنئ حالاً بمنأى عن مداهمات المحتل، فالأمهات اللاتي لعبن دوراً مركزياً، يكافحن في معاشهن ومنامهن لتصريف مياه الأمطار المتسربة على رؤوس صغارهن، ويتفنن في إعادة تدوير ما تجود به إعانات وكالة الغوث الدولية من لوازم وتهيئتها للاستعمال من جديد، ويحرصن على تعليم وتوجيه أبنائهن وإدارة بيوتهن على خير وجه في ظل غياب الآباء حتى تزويجهن، والجد الطاعن في السن الحريص على صلواته مصطحباً (أحمد) في غدواته وروحاته، وفي سعيه الشاق كل شهر نحو مكاتب التموين لتأمين طعام عائلتي ابنيه الغائبين منذ بداية الحرب، والذي يأتيه خبر استشهاد أحدهما، والآخر الذي يغيب ولا يأتي ذكره إلا في نهاية الرواية، وقد مات في الأردن وخلّف توأم من زوجة أخرى. لقد كان (أحمد) يسمع جده ورجال الحي يتجاذبون أطراف الحديث عن قيادة حركة التحرير الوطني كل عصر، وهو يسترجع ما قاله أحدهم يوماً والباقون من حوله يهزون رؤوسهم مؤيدين: “يا عمي هاي الكلام المزبوط .. ما بيحرث الأرض غير عجولها. كنا نعتمد على الجيوش العربية .. كنا ننهزم، وفي أول مرة بنحارب إحنا بننتصر، رغم قلة حيلتنا وضعف سلاحنا”.
لا تبدو الرواية وكأنها تجسد بطلاً بعينه ضمن عائلة في حدودها الضيقة، بل تمثّل شعباً بأكمله ارتبط بأرضه متأصلاً كالجذور على اختلاف توجهاته الفكرية والسياسية والعقائدية! فيظهر (أحمد) وإن كان الراوي، الأخ الأصغر الحائر بين أخيه الكبير (محمود) وابن عمه (إبراهيم)! الأول الذي تفوّق دراسياً وتعلّم في مصر وعاد مهندساً وعمل في (الأونروا)، والذي يلتحق بحركة (فتح) ويعتنق أفكارها القومية وشعاراتها الداعية للمداهنة مع العدو كاستراتيجية سلمية لنيل الحقوق -وقد تخلى العرب عنهم- مستعيناً باتفاقية أوسلو، بينما الثاني والذي يصرّ بإخلاص على الدراسة والعمل في غزة لا يبرحها فيدرس العلوم ويعمل في البناء، يلتحق بحركة (حماس) ويدافع بشراسة قولاً وفعلاً عن توجهاتها الجهادية ضد العدو، مستشهداً بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية .. ناهيك عن النقاش الذي لا ينفك حامي الوطيس بين تلك الفصائل، والذي كان يُدار عادة في غرفة الأم وطالما انتهى بنزاع وصياح وتشابك بالأيدي في بعض الأحيان، والتي تأتي امتداداً لما يُدار بالمثل بين طلاب المدارس والجامعات، والسجناء الذين اتخذوا من زنازينهم مجالس للتدارس والنقاش والعهد على الكفاح حتى النصر، رغم (العصافير) المبثوثة بينهم كأعين تستدرجهم للاعتراف بما لم يقرّوا به أمام سجانيهم. وفي حين يشترك مع تلك الفصائل آباء حرضوا أبنائهم على النضال وآباء آثروا لهم السلامة فنهوهم عنه، ومقاومين طوروا أسلحة بدائية من أعواد ثقاب وشظايا حديد، إلى زجاجات حارقة وقنابل يدوية، إلى بنادق آلية مزودة بذخائر حية، وآخرون ترصدوا لجنود الاحتلال يخطفونهم ويساومون بهم أسرى فلسطينيين، وجماعات المسجد التي نشطت في الخليل بتأثير من جماعة الإخوان المسلمين كتيار جهادي يبث الوعي الديني، لم يخفَ على الراوي أن يضمّن أبطاله (حسن) كأخ لـ (إبراهيم) ووجه آخر للشعب الذي وإن اختلف في توجهاته اتفق وقضية تحرير الوطن .. الوجه الذي هشّ للعدو وبشّ فصاهره وجاوره في تل أبيب وصافحه كفاً بكف جاسوساً على حساب قضيته وقضية بني جلدته، وقد سرق من ذي قبل من مال جده ما يعادل نصف مؤونة العائلة الشهرية .. والذي تمت تصفيته في نهاية المطاف كخائن لا جزاء له سوى القتل. ومن أمثاله من اليساريين الذين كانوا يتتبعون منشورات المقاومة التي تدعو للتفاعل مع الانتفاضة، فيشطبون اسم حماس ويكتبون “احذروا العملاء! حماس عميلة للاحتلال” .. ومن على شاكلتهم أيضاً “المخاتير” أو وجهاء المناطق الذين كان يستدعيهم الحاكم العسكري لمناقشتهم في أمور حياة أهل المنطقة وإيصال أوامره لهم، فيرتدون العباءات ويبرمون الشوارب وهو يعاملهم باحترام، “إلا إذا كانت هناك مظاهرات أو عمليات أو ما شابه، فإنه يكون غاضباً ويبدأ بالصراخ عليهم وهو خاسئون، وإذا نطق أحدهم بدأ بـ (يا سيادة الحاكم) و (يا حضرة الحاكم) وما شابه”. وفي الحديث عن الأبناء، ينجب (إبراهيم) طفلة، وحين يسأله الراوي عن سبب اختياره لها اسم (إسراء)، يجيب قائلاً والدمع يترقرق في عينيه: “حتى تذكرني كلما رأيتها بواجبي تجاه أرض الإسراء والمعراج والمسجد الأقصى، وبما أن الأولاد هم أحد أسباب تقاعس الناس عن الجهاد، فإن تسميتها إسراء يجعل هذا سبباً لدفعي لواجبي، بدلاً من أن تكون سبباً لتقاعسي”.
تلقي الرواية الضوء على حياة الفلسطينيين اليومية تحت وطأة الاحتلال، والتي تكشف عن الطاقة الجبّارة التي يوصلون بها أحزانهم بأفراحهم! فتراهم مبتهجين في حفلات الزواج التي تُعقد عادة بتدبير الأمهات وسعيهن الدؤوب في توفيق الرؤوس الشابة بالحلال، وما كان يعبر بين فتيان المخيمات وفتياتها من لفتات إعجاب وحب على استحياء ورسائل غرام مدسوسة، وعلى الجانب مغامرات أطفالهم في لعبة (عرب ويهود) مع قناعتهم المبكرة بغلبة العرب .. تلك البهجة ذاتها التي غمرتهم مع خبر انتصارهم على الجيش الإسرائيلي في معركة الكرامة عام 1970 وحرب أكتوبر 1973 في شبه جزيرة سيناء، ولذة التشفي مع أخبار متفرقة عن أعمال بطولية فجّر فيها المقاومون آليات عسكرية إسرائيلية وحصدوا من فيها، وحوادث تحطّم أسطورة الجيش الإسرائيلي أمام حجارة الغضب الفلسطيني، والجيران في تسامرهم ليلاً مع الدخان وأكواب الشاي وآرائهم المتباينة بين التخوف من المجهول وبين ضرورة الصمود، الرأي الذي يطغى في النهاية ولسان أحدهم يقول: “يا راجل، أي والله حياة دقيقة بعزة وكرامة ولا ألف سنة زي الزفت تحت بساطير جنود الاحتلال” .. بينما تراهم بحالة من البؤس والخذلان والحزن والقنوط أمام خبر وفاة الرئيس المصري جمال عبدالناصر وقد عدّوه زعيم الأمة العربية، ووقائع معركة أيلول الأسود عام 1971 التي انتهت بهزيمة منظمة التحرير الفلسطينية أمام الجيش الأردني، وما تبعها من معاهدة سلام بين مصر وإسرائيل واتفاقية أوسلو بينها وبين المنظمة والاعتراف بدولة اسرائيل، ومجزرة الحرم الابراهيمي في الخليل، واغتيال رموز المقاومة تباعاً، كأمثال الشيخ أحمد ياسين، والمهندس يحيى عياش، والملثم المطلوب عماد عقل .. وتلك المداهمات التي كان يشنها جنود إسرائيليون على منازلهم لاعتقال أبنائهم، فيُسجنون ويُعذبون وتُكّسر عظامهم ويُقتلون، أو لاستباحتها فيهدمونها أو يطردون ساكنيها، إضافة إلى استئجار فلسطينيين كعمالة رخيصة في متاجر ومصانع ومزارع المستوطنين داخل الأراضي المحتلة، يغدون إليها من بيوتهم صباحاً ويعودون منهكين مساءً يحملون قوت أولادهم. ففي عام 1987 يتظاهر أهل غزة ضد حادثة دهس حافلة عمّال قادها سائق قاطرة ضخمة صهيوني، والتي راح ضحيتها عشرات من الفلسطينيين بين قتيل وجريح. ينقل الراوي طرفاً من الغضب العارم الذي خطط له وقاده (إبراهيم) فيقول: “خرج المئات من الأهالي رجالاً ونساءً على سماع صوت الرصاص وشارك الجميع في رجم المحتلين الذين أصابهم السعار، فأطلقوا النار دون حساب. سقط الجرحى واستمر قذف الحجارة كالمطر، فبدأ الجنود يفرون. بقي جندي لم يتمكن من الفرار، فقد كان يحمل على ظهره جهاز اللاسلكي الثقيل، يتصل به يطلب النجدة، حاول إطلاق المزيد من النار فلم يستطع، ولم تعد قدماه قادرتين على حمله، فانهار ساقطاً على الأرض وهو يستنجد بأمه (إيما) بالعبرية ومعناه أمي يا أماه“. وبينما تجتمع العائلة الكبرى على مائدة العشاء التي غدت كوليمة، يطل من نشرة الأخبار الإسرائيلية الناطقة بالعربية رئيس الوزراء اسحق شامير “يؤكد فيها أن الشعب الفلسطيني لن يحقق شيئاً بهذا العنف”. حينها، يناكف (إبراهيم) الحمساوي ابن عمه الفتحاوي (محمود) قائلاً: “ألا ترى أنه قد بدأ يعترف بنا أننا الشعب الفلسطيني .. هل انتبهت لذلك؟ وهل سبق أن سمعت من شامير أو غيره من قادة اليمين الإسرائيلي من يسمينا الشعب الفلسطيني؟ بالأمس فقط كان شامير يسمينا سكان المناطق أو سكان غزة ويهودا والسامرة، وأما الآن فاسمنا عنده الشعب الفلسطيني ونحن لم نبدأ بعد”. وبينما يتجاهل (محمود) الرد تفادياً لظهوره متراجعاً أو متنازلاً، يغلظ على أخيه (حسن) القول أثناء غياب (إبراهيم) الذي بات مطلوباً إثر عمليات استشهادية قادها أبطال الجهاد الإسلامي وزهقوا فيها عدد من أرواح العدو، غير أن (حسن) يرد له الصاع صاعين، محذراً ناصحاً وهو يقول: “لن تطول الأمور حتى تتضح وتعرفوا أن اليهود خدعوكم وأوقعوكم في مكائدكم! هؤلاء قتلوا الأبرياء وحاربوا الله ورسوله، وليس لهم عهد ولا ذمة. أنت تتصور أنهم فيما تسميه مفاوضات الحل النهائي، سيتنازلون عن القدس أو عن المستوطنات أو يعودون إلى الخامس من حزيران، أو غير ذلك، هذا كله محاولة فقط لشق صفنا الفلسطيني وضرب بعضنا ببعض وتخريب المصلحة الوطنية العليا”.
ومع خواتيم الرواية يظهر (إبراهيم) مودعاً ابن عمه (أحمد) من خلال مكالمة هاتفية، يطلعه فيها على رؤيا اعتبرها كفلق الصبح، قال فيها ولم ينتظر رده عليها: “رأيتني أقرأ أحاديث لرسول الله ﷺ منها عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله ﷺ قال: (لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود، فيقتلهم المسلمون حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر، فيقول الحجر والشجر: يا مسلم يا عبد الله هذا يهودي خلفي فتعال فاقتله، إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود). ومنها عن عبد الله بن حوالة قال رسول الله ﷺ: (ستجندون أجناداً، جنداً بالشام وجنداً بالعراق وجنداً باليمن. قال عبد الله فقمت وقلت: مرني يا رسول الله. فقال: عليك بالشام فمن أبى فليلحق بيمنه وليستق من غوره، فإن الله عز وجل قد تكفل لي بالشام وأهله). ومنها: (لا تزال طائفة من أمتي على الدين ظاهرين، لعدوهم قاهرين لا يضرهم من خالفهم إلا ما أصابهم من لأواء حتى يأتي أمر الله وهم كذلك. قالوا: يا رسول الله وأين هم؟ قال ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس). وعن عبد الله بن حوالة أنه قال: (يا رسول الله اكتب لي بلداً أكون فيه، فلو علمت أنك تبقى لم اختر شيئاً على قربك. قال عليك بالشام ثلاثاً، فلما رأى النبي ﷺ كراهيته للشام قال: هل تدري ما يقول الله؟ يقول يا شام يا شام، يدي عليك يا شام، أنت صفوتي من بلادي، أدخل فيك خيرتي من عبادي أنت نعمتي وسوط عذابي، أنت الأندر وإليك المحشر). ورأيت ليلة أسري بي عموداً أبيض كأنه لؤلؤ تحمله الملائكة، قلت: (ما تحملون؟ قالوا: نحمل عمود الإسلام، أمرنا أن نضعه بالشام. وبينما أنا نائم رأيت كتاباً اختلس من تحت وسادتي، فظننت أن الله تخلى عن أهل الأرض، فاتبعت بصري فإذا هو نور ساطع بين يدي حتى وضع بالشام، فمن أبى أن يلحق بالشام فليلحق بيمنه، وليستق من غوره فإن الله قد تكفل بالشام وأهله). ثم رأيتني يا أحمد صائماً ورأيت رسول الله ﷺ يقول لي: إفطارك عندنا اليوم يا إبراهيم، فأنا في انتظارك“. ثم يصور المشهد الختامي (مريم) وقد أنهت للتو مكالمة وداعية أخرى من زوجها (إبراهيم)، تسلّم أخويها (محمود) و (أحمد) كل واحد منهما بندقية كلاشينكوف، وهما يحملان طفليهما، فينطلقان مع الجماهير الغاضبة التي كانت تهتف فيرتد الصدى مزلزلاً مريعاً: “خيبر خيبر يا يهود .. جيش محمد سوف يعود. بسم الله الله أكبر .. بسم الله .. قد حانت خيبر. بالروح بالدم نفديك يا شهيد .. بالروح بالدم نفديك يا فلسطين .. عالقدس رايحيين .. شهداء بالملايين“.
= = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = =
نقلاً عن المفكرة: جاء تسلسل الكتاب (115) ضمن قائمة لا تنتهي من الكتب التي خصصتها لعام 2024، وهو آخر ما قرأت في أكتوبر! أما عن اقتنائه، فقد حصلت عليه من معرض للكتاب في إحدى المدن العربية مايو الماضي، ضمن (250) كتاب كانوا حصيلة مشترياتي من ذلك المعرض!
خاطرة: على الرغم من اقتنائي الرواية مبكراً، فلم اقرأها إلا بعد مرور ستة أشهر .. وبتعبير أدق: بعد استشهاد مؤلفها! وليتني لم أؤجل!
ومن فعاليات الشهر: لا شيء سوى مواصلة النهار بالليل في القراءة وحدها .. وكأنه حلم تحقق!
ومن الكتب التي قرأتها في هذا الشهر: إيروتيكا الشعر الصيني / ذلك المريض / هكذا أكتب / هكذا أفكر / تأملات في شقاء العرب / الحب هو الحقيقة الوحيدة / التدرب على السبيل: نحو حياة ذات معنى / المختطفات: شهادات من فتيات بوكو حرام
وعلى رف (القصة والرواية) في مكتبتي عدد قليل من الإصدارات، منها قديم انتقل من مكتبة العائلة العريقة … ومنها ما نشرت على مدونتي!
تسلسل الكتاب على المدونة: 565
روعة ، روعة روعة مها
عاشت ايدك
وإيدك هالة ..
الرواية تحتوي على تفاصيل لا يُمل من قراءتها سطراً بسطر .. لكنني حاولت الاختصار، وودت لو أعدت كتابتها كاملة!
بالفعل .. هي رواية تستحق القراءة وإعادة القراءة