كتاب شعرت في بدايته أنه سيكون توأماً لكتاب (الرجال من البطيخ والبونبونات من الزهرة) والذي ألفه رجل يدّعي الخبرة في العلاقات الزوجية ومساراتها وانعطافاتها، لكنني وجدته كتاباً ينطوي على قدر من المنطقية والواقعية والموضوعية بل وعلى السجية، فهو -وقد وضعته امرأة .. كاتبة صحفية لم تدع الخبرة- يقرّ بالفروقات بين الجنسين دونما اعتبار أي فرق عند أحدهما بمثابة نقيصة عند الآخر، فإنما هي طبيعة بيولوجية وهرمونات كيميائية وحسب .. لذا، توصي المؤلفة كلا الجنسين بضرورة تفهّم طبيعة الآخر المغايرة، فهما يكملان بعضهما البعض ولا بد للحياة أن تستمر بهما معاً.
تضطلع المؤلفة بوضع هذا الكتاب بعد قراءة تثقيفية متعمقة فرضتها على نفسها تدور حول طبيعة الرجل وطبيعة المرأة والفروقات الجوهرية بينهما، على إثر شجار نشب بينها وبين زوجها ذات صباح، وذلك حين وبّخته على عدم مكابدة نفسه مغادرة فراشه ليلاً للاستجابة لصراخ طفلته وقد نادت عليه! وعندما حاول تبرير موقفه بعدم سماعه صراخها، شككت في حجته التي “لا تقلي عجة” حسب تعبيرها، فأتهمها بدوره في التشكيك فيه، فتخاصما. يعود الوئام بينهما بعد أن قرأت المؤلفة وبمحض الصدفة معلومة في كتاب يختص بالحياة الزوجية، مفادها أن “إن الرجال المبرمجين منذ القدم لسماع أقل طقطقة لغصن يهدد بالانكسار حتى في عزّ نومهم، لا يمكنهم سماع بكاء أطفالهم مهما علا صوتهم. ولعل هذا يعود إلى الدور الذي اضطلع به الرجل منذ بدء التاريخ وهو دور الصياد وحامي المنزل“.
وفي كتابها الصغير (Les hommes, les femmes, etc – By: Ellen Willer)، تضخ المؤلفة ما استطاعت من معلومات تحصّلتها أثناء مطالعاتها ومما استقت من خبرات في الحياة، فلم تُبق ولم تذر .. حيث ابتدأت بالدماغ، فوضّحت لمَ وكيف وفيمَ يختلف الدماغان .. أما عن الحواس، فأظهرت كيف أن حاسة النظر لدى الرجل (تبحث) بينما هي عند المرأة (ترى)، وأن المرأة (تسمع) في حاسة السمع بينما (يرهف السمع) الرجل، وبينما يكسب الرجل (التقدير) إذا امتهن الطهي، إلا أن حاسة التذوق لدى المرأة تبقى الأكثر قوة، أما عن حاسة الشم، فالمرأة ببساطة (تشم) والرجل (يتنفس) فقط. تمهر المرأة في رواية الحديث بينما يكتفي الرجل بقوله .. الرواية مقابل القول وحسب! وعلى الرغم من أنهما يمتلكان الإحساس، إلا أن المرأة تظهر كحساسة عادة مقابل حرص الرجل على كتمانها .. الرجل قنّاص بطبعه، فيصوب دائماً نحو الهدف ولا يخطئه، في حين تطلق المرأة النار عشوائياً إن سمح لها .. وإنها تتقن العطاء وإنه يتقن التلّقي. وفي الحياة، وأمام أي موقف قد يسبب توتراً عصبياً، تبدأ المرأة بالثرثرة في حين يكتفي الرجل بالانسحاب .. وفي علاقتهما، تريد المرأة أن تشعر كم هي محبوبة والرجل يريد أن يشعر كم هو مفيد .. وفي يوم من الأيام، تحررت المرأة وفكّر الرجل أن يستغل تحررها!.
ومن الكتاب الذي أحرز نجمتين من رصيد أنجمي الخماسي، أقتبس في نص رومانسي (مع كامل الاحترام لحقوق النشر) ما جاء في:
دماغ الرجل المتخصص
“الكلام على سبيل المثال، يتمركز فقط في النصف الأيسر من دماغ الرجل، في حين أنه يتمركز في نصفي دماغ المرأة. وهكذا، فإن الرجل الذي يتعرّض نصف دماغه الأيسر للضرر يصبح شبه عاجز عن الكلام، بينما تحتفظ المرأة، في الظروف نفسها، بقدرتها على الكلام، وتحافظ على جزء من مفرداتها على الأقل. فضلاً عن ذلك، يعمل دماغ الرجل بطريقة متخصصة: فلكل جزء من الدماغ كفاءته واختصاصه. وعليه وفقاً للظروف، أن يمرر المعلومات التي يتلقاها من جزء إلى آخر، وأحياناً من أحد النصفين إلى الآخر، قبل التمكن من معالجتها، مما يتطلب بعض الوقت. إلا أن دماغ المرأة يعمل بطريقة أكثر انتشاراً وتوزّعاً: تستطيع المرأة استحضار كفاءاتها وملكاتها كلها بسرعة أكبر، كما يمكنها استخدامها كلها في آن واحد“.
دماغ المرأة الأكثر ترابطاً
“إن كتلة الألياف العصبية التي تصل بين نصفي الدماغ، أسمك بنسبة 30% لدى المرأة، مما يسمح بوجود تواصل أكبر بين الخلايا العصبية. كما أن الأستروجين، وهو هورمون أنثوي تحديداً، ينشط الخلايا العصبية ويدفعها إلى إقامة تواصل أفضل فيما بينها. وتجدر الإشارة إلى أن دراسة أجراها إخصائيو الطب النفسي العصبي أظهرت أن النشاط الكهربائي لدماغ الرجل أثناء الراحة يصل إلى 30% من طاقته الإجمالية، فيما تبلغ نسبة النشاط الكهربائي لدماغ المرأة أثناء الراحة 90% من طاقته الإجمالية. ويبرهن هذا أن المرأة، حتى وإن كانت لا تركز انتباهها، تتلقى المعلومات وتعالجها بصورة آلية”.
ثم .. وفي تعليق للمؤلفة قد يبدو استفزازياً للمتعصبين جندرياً، يقول:
“هذا فيما يتعلق بالمراقبة السريرية، لكن ماذا يمكننا أن نستنتج عملياً؟ الكثير في الواقع. لكن في البدء، إليكم هذا الخبر: في العام 1997 أثبتت عالمة دانماركية في قسم الأعصاب في مستشفى كوبنهاغن، أن المرأة تتمتع بذكاء يفوق ذكاء الرجل بنسبة 3%، مع أن هذا الأخير يتمتع بحوالي 4 مليارات خلية عصبية أكثر من المرأة كمعدل وسطي، ولعل ذلك يعود إلى ثقل وزن دماغه. وقد أثبتت دراسات كثيرة بعدها نسبة الـ 3% هذه. إنه خبر يهدئ النفوس الثائرة، أليس كذلك؟“.
وأختم بجملة من (وصفات للزوجين) التي ختمت بها المؤلفة كتابها .. فكمفاضلة بين البدائل، أوصت بـ: “اللطف مقابل التجريح” و “النقاش مقابل الجدال” .. والتقاط صورة من الذاكرة عن أجمل ما جذب كل منهما للآخر، بدل تلك “الطبيعة الجامدة” التي تعكسها صورة التقطتها آلة تصوير.
= = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = =
نقلاً عن المفكرة: جاء تسلسل الكتاب (26) في قائمة من (50) كتاب خصصتها لعام 2023 والذي رجوت مع بدايته أن يكون استثنائياً في جودة الكتب التي سأحظى بقراءتها فيه .. وهو خامس ما قرأت خلال شهر نوفمبر ضمن عشرين كتاب، وقد حصلت عليه من متجر نيل وفرات الإلكتروني للكتب العربية في يونيو من عام 2021، ضمن (80) كتاب تقريباً كانوا حصيلة مشترياتي من تلك الشحنة.
وعن الكتاب، فقد قرأته على مضض .. إذ لا تستهويني مغامرات آدم وحواء، وما دفعني نحوه سوى الفضول!
وعلى رف (جندرية وجنسانية) في مكتبتي عدد من الإصدارات، أذكر منها: (مبغى المعبد: شريعة المرأة والرجل) تأليف (عبدالرزاق جبران) / (ذكر شرقي منقرض) تأليف (محمد طه) / (لغز الأنوثة وعقدة الجنس) تأليف (حمودة إسماعيلي) / (جسد العاهرة: دراسة في نصوص العورة المباحة) تأليف (ابراهيم محمود) / (كذب الرجال ولو صدقوا) تأليف (فاتن حمود) / (الرجال من المريخ والنساء من الزهرة) تأليف (جون غراي) / (الهيمنة الذكورية) تأليف (بيار بورديو) / (أصول الدافع الجنسي) تأليف (كولن ويلسون) / (ماذا الآن يا آدم؟ كتاب عن الرجال) تأليف (أوشو) / (للرجال فقط: ما تحتاج لمعرفته عن بواطن النساء) و (للنساء فقط: ما تحتاجين إلى معرفته عن أسرار حياة الرجل) تأليف (شونتي وجيف فيلدهان) / (الدياليكتية الجنسية: دفاعاً عن الثورة النسوية) تأليف (شولميت فايرستون) / (لماذا يحب الرجال العاهرات؟) تأليف (شيري أرجوف) / (I’m Afraid of Men) تأليف (Vivek Shraya)
من فعاليات الشهر: لا يزال جدولي اليومي مزدحماً .. ولا زلت أصارع الوقت لاستقطاع ما أمكنني منه للقراءة.
تسلسل الكتاب على المدونة: 426
التعليقات