بمنطقية .. يدعو هذا الكتاب القصير إلى نبذ الإلحاد برمّته وإلى البحث في حقيقة وجود الإله ومن ثم الإيمان به، الأمر الذي سيقود حتماً لاعتناق دين الإسلام -من بين أديان تنافسية كبرى كاليهودية والزرادشتية- لما يقوم عليه من منطق وحجج وبراهين عقلية تثبت صحة نظرية الإله، ضمن ما يقوم عليه من أمور قلبية وفلسفية أخرى.
ولأن المؤلف الإنجليزي الذي اعتنق الإسلام عام 1988 ينتمي في أصله إلى أب ملحد وأم مسيحية، فهو لا يتوجّه بكتابه نحو المؤمن -بصرف النظر عن دينه الذي يعتنق- طالما أنه يعتقد بوجود قوى غيبية يخضع لها الإنسان في وجوده، كما هو الحال في الشرق .. لذا، فهو يتوجّه إلى غير المؤمن لا سيما الذي يقبع في الجانب الغربي من العالم، حيث يسود الإيمان بالعلم والطب ونظرية النشوء والارتقاء ونظرية الانفجار العظيم وسطوة المال والأعمال، وكل ما هو مادي وبرهاني وغرائزي .. في مفارقة بين الغرب العقلاني الذي يرى الحياة مجرد مادة، وبين الشرق الصوفي المؤمن قلباً وفطرةً.
والمؤلف وهو يستخدم الرجل ذو السروال الأحمر كشخصية متخيّلة لعامل يقرأ عدادات الغاز في المنازل، يضرب من خلاله أمثلة واقعية لمحاولة إثبات وجود الخالق، فيأتي بأمثلة تصدّق على نبوءة نبي الإسلام محمد ﷺ كما جاء بها القرآن الكريم وبما يقابلها من حقائق أثبتها العلم الحديث، كمراحل تطور الجنين والجبال كأوتاد للأرض، إضافة إلى عدد من أقوال بعض المستشرقين المحنكين.
يمتد الحوار العقلاني والعاطفي معاً على سبعة فصول كما يعرضها فهرس الكتاب (The Man in the Red Underpants – By: Abdurraheem Green) والذي استقطع من رصيد أنجمي الخماسي ثلاثة .. وهي:
- الفصل الأول: الرحلة تبدأ
- الفصل الثاني: أسئلة بلا جواب
- الفصل الثالث: اختبار التعاليم
- الفصل الرابع: اختبار العالمية
- الفصل الخامس: اختبار الشخصية
- الفصل السادس: مستوى مدهش من المعلومات
- الفصل السابع: تعاليم الكتاب
ومن ثنايا الحوار العقلاني الذي انتقل من الإلحاد إلى الإسلام، أقتبس في نص صريح ما ورد من حجج (مع كامل الاحترام لحقوق النشر) كما يلي:
- يقول ذو السروال الأحمر في الفصل الأول عن قانون الجاذبية الذي بدى عاقلاً أكثر من أي ملحد معاند: “ولو أخذنا بالاعتبار قوة الجاذبية بعد الانفجار الكبير قبل بلايين السنيين، كانت المادة موزعة عشوائياً في الكون. لم يكن هناك كواكب ولا مجرات ولا نجوم، فقط ذرات تطوف في الفراغ المظلم من الفضاء، وعندما بدأ الكون بالتوسع جذبت الجاذبية الذرات بلطف لتشكل منها المجموعات التي كوّنت النجوم والمجرات في نهاية الأمر. المهم أن قوة الجاذبية كان عليها أن تكون بمقدار صحيح، فلو كانت أضعف لكانت الذرات موزعة بشكل أوسع لا يسمح أبداً بتكون المجرات والنجوم والكواكب، ولو أنها كانت أقوى لكانت الذرات ستجتمع مع بعضها مكونة كتلة واحدة كبيرة؛ ليتحول الانفجار الكبير إلى الانسحاق الكبير، فقد كان على الجاذبية أن تكون على ضبط دقيق لتتشكل النجوم، فما هو هذا الضبط الدقيق؟ تصوّر أن وزنك كان أكثر أو أقل بجزء من البليون من الغرام، هذا هو الشكل من التغيير في الكون الذي نتحدث عنه، والذي كان كافياً ألا يسمح بتشكيل المجرات والكواكب والنجوم والحياة. على الرغم من أن خسارة بضعة كيلوغرامات من وزنك يبدو أمراً سهلاً! أليس كذلك؟ إلا أنه من الغريب كيف أن بعض البشر الأذكياء المتعلمين لا يستطيعون أن يخسروا بعض الوزن ليحسنوا صحتهم، ولكن الكون العشوائي غير المتعلم قادر أن ينظم نفسه بظروف مثالية للعيش فقط عبر المصادفة”.
- ويقول في الفصل السادس عن القرآن الكريم الذي ليس هو بكتاب علمي جاء به نبي أمي: “القرآن ليس كتاباً علمياً، بل كتاب إشارات وآيات، فمن السهل أن نفهم كيف أن الخالق سيعلم هذه الأشياء عن أصل الكون والعالم، وتفاصيل التطور الجنيني، وأن للجبال جذوراً، ولكن ليس من السهل أن نفهم كيف لمحمد أن يذكر هذه الأشياء في القرآن إن لم يكن نبياً، ويبدو أن قبول هذا الأمر هو ما يجب أن يفعله أي شخص صادق عقلاني”.
- ويقول في الفصل الأخير عن الدنيا كدار اختبار لا يخفف وطأتها مثل سلام الإسلام: “اتباع الإسلام لا يعني أنه لن يكون هناك أي اختبارات وابتلاءات أخرى في الحياة، بل إن الخالق في الواقع يخبرنا إننا لن نترك أن نقول إننا آمنا من غير اختبار. اتباع هدى الله يعلمنا كيف نتعامل مع هذه الاختبارات، وبها يتحول العسر إلى يسر، والارتباك إلى فهم، والألم إلى رضا، والحزن إلى سعادة. معرفة هذا واتباعه يجلب السلام الحقيقي إلى القلوب، وفي هذا المنظور فالإسلام حقا يجلب السلام، سلام لا يعني فقط غياب الحرب، بل سلام أكثر عمقاً وصفاء”.
= = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = =
نقلاً عن المفكرة: جاء تسلسل الكتاب (22) ضمن قائمة لا تنتهي من الكتب التي خصصتها لعام 2024، والذي أرجو أن يكون استثنائياً بحق في جودة الكتب التي سأحظى بقراءتها فيه، وهو في الترتيب (2) ضمن قراءات شهر مارس .. وقد حصلت عليه من متجر (بيت الكتب) الإلكتروني في ديسمبر الماضي، ضمن (120) كتاب تقريباً كانوا حصيلة مشترياتي من تلك الشحنة.
وعلى رف (الأديان) في مكتبتي، عدد لا بأس به من الإصدارات .. أذكر منها: (كشف الحلقة المفقودة بين أديان التعدد والتوحيد) – تأليف: د. خزعل الماجدي / (التوراة الحجازية: تاريخ الجزيرة المكنوز) – تأليف: محمد منصور / (الله والإنسان: على امتداد 4000 سنة من إبراهيم الخليل حتى العصر الحاضر) – تأليف: كارن آرمسترونج / (الإنسان يعصي لهذا يصنع الحضارات) – تأليف: عبد الله القصيمي / (صورة فوتوغرافية للرب: في البحث عن المنشأ العصبي للدين) – تأليف: أندرو نيوبيرغ / (الزرادشتية: الفجر الغروب) – تأليف: ر. س. زيهنير / (حروب باسم الرب) – تأليف: كريستوفر كاثروود / (لماذا لست مسيحياً) – تأليف: برتراند راسل / (جوهر المسيحية) – تأليف: لودفيغ فوير باخ / (أمثال يسوع بين الأمس واليوم) – تأليف: الأب هنري بولاد اليسوعي / (تنويعات التجربة الدينية) – تأليف: ويليام جيمس
من فعاليات الشهر: يقابله في العام الهجري 1445 شهر رمضان المبارك، والذي انقطع فيه عادة عن القراءة، غير أنني تمكّنت من استقطاع وقتاً يسيراً للقراءة في هذا العام، وكان مثمراً .. وعن هذا الكتاب، فقد أنهيته لحظة إعلان غرة شهر رمضان عند الغروب.
تسلسل الكتاب على المدونة: 472
التعليقات