تموج الساحة العالمية في الوقت الحاضر بتيار هادر من برامج توعوية تستهدف في طابعها العام صالح الإنسان كعنصر أساسي في عملية التطوير المطلوبة، سواء كان ذلك على مستوى التنمية البشرية ومتطلبات اكتساب الخبرات الفعّالة لتلبية الحوائج المادية، أو على مستوى تنمية الذات الذي يركّز في الأساس على اكتساب مهارات الحياة العامة كالقيادة والاتصال وإدارة الوقت، أو على المستوى الروحي في تعزيز القيم العليا وفضائل الأخلاق والسعي نحو الارتقاء النوراني كغاية أسمى. بيد أن مصطلح (الذكاء العاطفي) قد احتل نصيب الأسد في حظه من الاهتمام في خضم هذا التوجه، ومن ثم تلقّفه بالترويج والتلقين والتدريب والتداول ومحاولات التطبيق التي لا تأتي ذكية بالضرورة في كل الأحوال، ما جعل من زخم تلك البرامج التوعوية التي يتصدّرها أعلامها المؤثرين بملامحهم التي لا تختلف باختلاف ثقافاتهم، في محل تشكيك، مضموناً وطرحاً وتأثيراً .. أحالت بدورها من بعض تلك البرامج إلى مجرد مواد استهلاكية، وأصحابها كمن ركب الموجة وحسب!
يأتي هذا الكتاب استثنائياً وهو يجمع بين عقلانية الطرح وواقعية التطبيق والوجدانية في تأثيره، من خلال لغة سلسة التعبير تخاطب العقل والقلب معاً بذكاء. ولا عجب، إذ “وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ” وقد وضعه الأمين العام لرابطة المدربين العرب. إنه (د. درع معجب الدوسري)، والذي اضطلع بتقديم أكثر من أربعمئة وعشرين برنامجاً تدريبياً ناجحاً حتى اليوم في علوم الإدارة وفنون القيادة، استفاد منها أكثر من اثنا عشرة ألف موظف في عدد من الدول العربية والإسلامية وبعض المراكز الإسلامية في دول أوروبية. يحمل المؤلف درجة الدكتوراة في التنمية البشرية من جامعة ليستر البريطانية، إضافة إلى درجة الدكتوراة في المناهج وطرق التدريس من جامعة القاهرة، وقد حصل من قبل على درجة الماجستير في نفس التخصص من جامعة وسط فلوريدا في أمريكا. شق طريقه العملي ابتداءً في سلك التدريس الذي تدرّج فيه، ليخرج إلى نطاق العمل الميداني في مجال الاستشارات المتعلقة بالموارد البشرية ويتولّى عدد من المناصب الإدارية، ليتوّج مسيرة كفاحه في الحصول على إجازة المدرب الدولي المعتمد، وتأسيس مركز ميجا للتدريب الإداري. وهو على الجانب الآخر مقدم لبرامج تلفزيونية وكاتب عمود صحفي، وقد قدم أكثر من ثلاثين ورقة عمل لعدد من المؤتمرات والمحافل الدولية، إلى جانب ما نشره من أبحاث علمية في عدة مجلات علمية مرموقة.
يُلقي هذا الكتاب الضوء ابتداءً على النظرة التاريخية نحو العواطف الإنسانية كنقاط ضعف استلزمت الرفض والنبذ والتجاهل، وذلك لصالح الذكاء العقلي المرتبط بتحصيل الدرجات العلمية، والذي لم يكن بدوره مقياساً تنبؤياً دقيقاً للنجاح المستقبلي على الصعيد الشخصي والمهني، الأمر الذي وجّه الانتباه نحو الذكاء العاطفي كعامل أكثر تأثيراً في مدى نجاح الفرد وتطوّره. إن امتلاك الفرد لدرجة عالية من الذكاء العاطفي تتيح له قدرة التعرّف على مشاعر الآخرين وتحليل أسبابها ومن ثم التحكم في توجيهها، بما يحسّن من مستوى التفاعل الإنساني. يقول المؤلف في هذا مستشهداً: “أوضحت العديد من الدراسات أن نجاح الإنسان وسعادته يتوقف على مهارات لا علاقة لها بالشهادات، فكثير هم الذين حصلوا على تقديرات امتياز في اختباراتهم الأكاديمية، لكنهم لم ينجحوا في الحياة الأسرية والمهنية والعكس صحيح. فمواجهة الحياة تحتاج إلى الفطنة وهي أعلى من الذكاء، كما ثبت أن الأذكياء عاطفياً أكثر قدرة على التعامل مع ضغوط الحياة ومشكلاتها بشكل أكثر تفاؤلاً وأكثر إصراراً ومثابرة وأقل تعرضاً للتوتر والقلق“.
يتناول الكتاب العديد من المواضيع الشائقة ذات الصلة بمفهوم الذكاء العاطفي، التي تندرج تحت ثلاثة فصول رئيسية، ينال معها الكتاب ثلاث نجمات من رصيد أنجمي الخماسي، وقد استهل بمقدمة ونبذة تعريفية عن المؤلف وشيء من البيانات الإحصائية، وانتهى بعرض مجوعة من انطباعات المتدربين عن المدرب مؤلف الكتاب. والفصول هي:
- الفصل الأول: الذكاء العقلي والذكاء العاطفي
وفيه يتطرق إلى مفهوم الذكاء العاطفي من حيث طبيعته وأهميته وعناصره، وتحديد الفروق بينه وبين الذكاء العقلي، مع إيراد بعض الأمثلة التي تمثّله من الواقع.
- الفصل الثاني: الغباء العاطفي
وفيه يتطرق إلى إدارة التفاعل ومهارات التحكّم بالعواطف، وأساليب اكتساب المهارات الاجتماعية والاستعداد لمواجهة المواقف الجديدة من خلالها، وطرق الوقاية من الوقوع في فخ الغباء العاطفي، وكيفية تطوير مهارة الذكاء العاطفي ونبذ المشاعر السلبية، وتحقيق النجاح والسعادة.
- الفصل الثالث: الذكاء العاطفي والعمل
وفيه يتطرق إلى أهمية الذكاء العاطفي في بيئة العمل وطرق تطويره وآلية عمله واستثماره كأداة للترقي الوظيفي، مع توضيح العلامات الدالة على ارتفاع معدّله وانخفاضه، وأساليب احتواء مشاعر الموظفين والتعامل مع انفعالاتهم بذكاء.
ومن أروقة الذكاء العاطفي، ألتقط لمحات مما علق في ذهني بعد القراءة، وباقتباس في نص لمّاح (مع كامل الاحترام لحقوق النشر) كما يلي:
- عادة ما يقترن الذكاء بالعقل، بحيث تُصبح (القدرة العقلية) أول ما يتبادر إلى الذهن بمجرد ذكر كلمة (ذكاء)، وبحيث يصبح من يتمكّن من حل الكلمات المتقاطعة في فترة زمنية وجيزة ذكيّاً على حساب الآخر الذي يستغرق وقتاً، غير أن الكتاب يعدد أنواع أخرى من الذكاء وهو يتحدث عن (مفهوم الذكاء)، أهمها: (الذكاء اللغوي): وهو القدرة على التعبير باستخدام اللغة شفهياً أو كتابياً بشكل واضح ومميز ومؤثر. (الذكاء المنطقي): وهو القدرة على معالجة الأفكار منطقياً واجراء العمليات الحسابية بدقة، مع مهارات التحليل والاستنتاج والتعميم. (الذكاء الفني): وهو القدرة على التعبير التصويري باستخدام الأشكال والألوان وإدراك مواطن الجمال وإبرازها.
- يشير (مفهوم الذكاء العاطفي) إلى “القدرة على فهم واستخدام مشاعرك وعواطفك بطرق إيجابية لتخفيف المشاعر السلبية كالقلق والتوتر والإحباط، والقدرة على التواصل مع المحيطين بفاعلية أكبر من خلال فهم مشاعرهم وفهم تأثير تصرفاتك وأقوالك عليهم، وإحساسك بما يشعرون به”. وهو في هذا يعالج عدة مهارات، منها: الإقناع، التواصل، استخدام الألفاظ الإيجابية، استشفاف مشاعر الآخرين.
- تتحدد عناصر الذكاء العاطفي في خمسة، يأتي (الوعي الذاتي) كأولها، بحيث يتمكّن الفرد من فهم عواطفه بدرجة تتعدى مجرد الإقرار بها إلى إدراك مدى تأثيرها على مزاجه وعلى قراراته وعلى مشاعر الآخرين، وهي تشكّل وعياً ذاتياً بنقاط القوة التي يحظى بها ذلك الفرد. أما (التحكم بالذات) وهي ثاني العناصر، فتعني القدرة على مراقبة المشاعر والسيطرة على السلوكيات الناجمة عنها لا سيما الاندفاعية، فضلاً عن مواجهة حالات الإحباط ومحاولات التغلب على المصاعب، واغتنام الفرص لاتخاذ المبادرات، والتكيف مع الظروف المتقلّبة. وفي حين يسعى الفرد من خلال (تحفيز الذات) كعنصر ثالث للذكاء العاطفي، إلى تحقيق أهدافه مع التخطيط إلى نبذ الملهيّات وتقديم مصلحة العمل على الراحة التي لا بأس من تأجيلها، يتلّخص (الوعي الاجتماعي) كرابع العناصر في مهارة إدراك مشاعر الآخرين وتوقّع ردود أفعالهم والتعامل معها بحكمة. ثم تأتي (إدارة العلاقات) كخامس العناصر، وكمهارة اجتماعية في التفاعل الإيجابي مع الآخرين، بحيث لا يقف الفهم العاطفي الحقيقي على عتبة تفهّم مشاعر الذات ومشاعر الغير وحسب، بل يتعدى ذلك إلى استخدامها كخبرات متراكمة في تحسين جودة العلاقات الشخصية والمهنية.
- وفي المقارنة التي عقدها الفصل الأول بين الذكاء العقلي والذكاء العاطفي، والتي لا يظهر فيها المتفوق أكاديمياً ناجحاً بالضرورة في حياته العملية مقارنة بصاحب العلاقات الاجتماعية العريضة الذي يتفوق تباعاً حتى يصل إلى أعلى درجات السلم الوظيفي، يصبح: “الذكاء العقلي هو قدرتك على التعلم، وهو نفسه في سن (15) كما هو في سن (50)، بينما الذكاء العاطفي هو عبارة عن مجموعة مرنة من المهارات التي يمكن اكتسابها وتحسينها مع الممارسة والخبرة”.
- أما في التفرقة بين (العواطف) و (المشاعر)، فقد عبّرت الأولى عن حالة مادية يمكن ملاحظتها جسدياً وهي التي تحدث عادة قبل الثانية، في حين توصف الثانية كحالة عقلية تترتب على الأولى كردة فعل، غير أنها مخفية ويصعب ملاحظتها! وبينما تم تصنيف ما يتملّك الإنسان من عواطف إلى ثمان وعشرين عاطفة متغايرة، فقد تم الإجماع على حصرها في ستة عواطف رئيسية، وهي التي يمكن تمييزها من خلال المحددات الآتية في الجسد البشري: “(السعادة): تظهر على الوجه ونبرة الصوت. (الحزن): يظهر من خلال البكاء، تعبيرات الوجه. (الخوف): تعبيرات الوجه، محاولة الاختباء، نبضات القلب. (الاشمئزاز): تعبيرات الوجه، القيء، الابتعاد. (الغضب): نغمة الصوت، تعبيرات الوجه، العرق، ضرب الأشياء. (المفاجأة): تعبيرات الوجه، الصراخ، القفز من المكان”.
- من غير أدنى شك، يؤثر العقل والجسم كل منهما على الآخر، بحيث “لو شعرت بالسعادة ستضحك .. لو ضحكت ستشعر بالسعادة! حالة الجسم تؤثر على حالتنا المزاجية والعكس”. لذا، تأتي النصيحة: “لا تسر منكس الرأس حزين الملامح، فإن هذا سيؤثر حتماً على حالتك المزاجية! لو وجدت أن وجهك عابس، فلا تتوقع أن تشعر بالسعادة، لأنك قد رسمت على وجهك تعبيراً آخر”. إنها إذاً كعلاقة تبادلية، تأخذ لتعطي وتعطي لتأخذ “إن وجوهنا وحركات أجسامنا مرآة لأفكارنا، جرب ما يأتي: فكر في شيء لا تحبه .. فكر فيه كما لو كان هنا أمامك، لاحظ بدقة تعبيرات وجهك وحركات جسمك. والآن اعمل عكس ذلك فكر في شيء تحبه كما لو كان هنا أمامك الآن، ومرة أخرى سجل بعناية تعبيرات جسمك. إذا واجهت موقفاً صعباً ابتسم وقل لنفسك: أنا قادر على معالجة هذا الموقف، وسوف تكون على الطريق الصحيح للسيطرة الفعلية والكاملة على عقلك”. وفي السعادة التي ضُرب فيها مثلا، تتحدد خمس قواعد لتحقيقها، هي بكل بساطة: “حرر قلبك من الكراهية، حرر عقلك من الهموم، كن كريماً في العطاء، عش ببساطة، قلل من توقعاتك من الآخرين“.
- ثم يضرب الكتاب مثلاً آخر في مجموعة من العميان، يختم بهم الفصل الأول، ويؤكد أن “للحقيقة أكثر من وجه” وإن الاختلاف في وجهات النظر ليس دليلاً على وجود ثمة خطأ ما، بل في أن الحقيقة قد تحمل عدة أوجه يرى منها البعض ما لا يراه البعض الآخر! فأولئك كانوا ثلاثة دخلوا إلى غرفة يحتلّها فيل، وقد طُلب منهم اكتشاف ماهيته بتحسسه ووصفه! فبينما وصفه الأعمى الأول على أنه مجرد “أربعة عمدان على الأرض”، أصرّ الثاني على تشبيهه بالثعبان تماماً، في حين أكد الأخير على أن “الفيل يشبه المكنسة”. يتبارى الثلاثة في تبادل آرائهم المتباينة بينهم، التي ما تلبث أن تصبح محلاً للشجار وتبادل الاتهامات بالكذب والادعاء، فيما هم متمسكون بتصوراتهم التي شكلّوها في حدود معرفتهم. “الحقيقة أن كل منهم صادق! فالأول أمسك برجل الفيل، والثاني بخرطومه، والثالث بذيله .. كل منهم اعتمد على برمجته وتجاربه السابقة”.
- ولإدارة التفاعل بحكمة، وإحكام العواطف بذكاء، يرتّب الفصل الثاني خطوات ثلاث لتحقيقها، هي “توقف، اهدأ، عالج”، فالمشاعر باختلاف انفعالاتها الإيجابية والسلبية بحاجة إلى فترة توقف، من أجل التفكّر قبل ترجمتها إلى أفعال، يتبعها الحاجة إلى الهدوء حتى تحظى عملية التفكّر بوضوح وعقلانية أكبر، تنتهي بإتاحة الفرصة لأخذ الخطوة العملية وردود الأفعال التي لا بد وأن ستأتي ملائمة. بعد ذلك، ينتقل الحديث في نفس الفصل إلى الكيفية التي يصبح بها الفرد أكثر إدراكاً لذاته، حيث تأتي جملة النصائح مثل: “أنشئ مساحة لنفسك” وذلك لإعطاء النفس فرصتها من العزلة والتفكير من غير أية مؤثرات. “كن مستمعاً جيداً” وذلك من أجل الفهم لا من أجل الرد، يتضمن ذلك ملاحظة اللغة المستخدمة وتعابير الوجه ولغة الجسد ككل. “ابحث عن منظور جديد لنفسك” وذلك من خلال النظر في تعليقات الآخرين، تحديداً الصادقة منها، من أجل تحقيق إدراك ذاتي أكبر عن طريق الغير. “اقرأ عن تطوير الذات والتنمية الشخصية” وذلك من أجل التعرّف على النفس بشكل يتيح التعرّف على العالم المحيط، بعد ذلك.
- أما الفصل الثالث، وبينما يحدد أربعة أسس ترتكز عليها العلاقات في بيئة العمل، هي: “الاحترام المتبادل، الثقة المتبادلة، التعاون، العواطف المتبادلة”، ينتقل ليوضح علامات ارتفاع الذكاء العاطفي في العمل وعلامات انخفاضه! فتظهر سمات الموظف ذو الذكاء العاطفي المرتفع في “الفضول” وتحديداً الإيجابي، بغية معرفة أحوال الزملاء والتعاطف معهم كما يتطلّب الوضع، وفي “الوعي الاجتماعي” وهو استشفاف ظروفهم ودواخلهم ودوافعهم، وفي “التأقلم مع التغييرات” وهو التماشي مع المتغيرات والمستجدات في محيط العمل بمرونة وتأقلم، وفي “القدرة على التعبير عن الرفض” وهو الاعتراض على قبول التزامات جديدة لصالح أداء المسئوليات الحالية المفروضة بنجاح، وفي “القدرة على التعامل مع الشخص الفظ الغليظ” وهو الاحتفاظ بالمشاعر السلبية تجاهه، والتحكّم بالأقوال والأفعال متى تطلّب الأمر المعاملة أو المواجهة. أما تلك السمات الدالة على انخفاض معدل ذكاء الموظف العاطفي، فتظهر في “رفض الاستماع إلى وجهات نظر الآخرين” من باب الثقة بصواب برأيه، و “حب الدراما” في استدرار المشاعر أو افتعال الشجار، وذلك إلحاقاً بطبيعته السوداوية، و “إلقاء اللوم على الآخرين” استكمالاً لدور الضحية الذي يتقنه، و “الخوف من تجربة أشياء جديدة” لافتقاده روح الإبداع وتجنّباً للفشل، و “يتطلع للكمال” الذي بدوره يحبّط هممه نحو المضي قدماً.
قبل استهلال مادة الكتاب، تعرض صفحاته الأولى مقياساً للذكاء العاطفي يتدرّج في خمسة مستويات (منخفض جداً، منخفض، متوسط، عالٍ، عالٍ جداً)، ويتحدد من خلال سمات يتم تعيينها بمعايير (معظم الوقت، غالب الوقت، أحياناً، نادراً، أبداً تقريباً) والتي تتعادل بقيمة رقمية، يتم من خلال حاصل جمعها الحصول على معدل عام يصنّف الفرد تحت المستوى الذي يمثّله. ومن السمات على سبيل المثال: “أشعر بالحرج والارتباك عندما يتوقع مني أن أظهر عواطفي” و “بعض الأشخاص يجعلونني أشعر أنني شخص سيء مهما فعلت” و “تأتيني حالات مزاجية أشعر فيها أنني قوي وقادر وكفء”. وعلى مستوى شخصي، فقد حصلت على معدل (134) وهو يقع ضمن مستوى (عالٍ جداً 130 : 150). إن هذا يدفعني للقول بأنني -ولا فخر- أجد كل ما يندرج تحت مفهوم الذكاء العاطفي (فطرة) .. أمارسه بالسجية وحسن النية منذ صغري .. من غير تلقين ولا توجيه ولا تدريب، إلى الحد الذي أجدني فيه -وقد بلغت مرحلة النضج- أتلفّت على من حولي في تهافتهم على دروس أراها تلقائياً تلقّن السليقة وتعلّم مبادئ الإنسانية! أقول هذا مع وافر تقديري لمجموع المدربين الأفاضل والمتدربين ممن وجدوا ضالتهم في هذه البرامج. لا يمنعني هذا القول الملحق بالمعدّل السابق من الإقرار بأنني في بعض المواقف السلبية والتي تتطلب ذكاءً عاطفياً في التعاطي معها، من تنحيته جانباً معززاً مكرّماً، ورد الصاع بصاعين .. وربما أكثر!.
يتخلل الكتاب الذكي متفرّقات من نصائح وتوجيهات وأقوال مأثورة، جاءت عرضاً كمحفزّات في قالب مختلف ولون برّاق .. أقتبس منها ما راق لي فيما يلي:
- في اللطائف التي تختبأ بين طياتها فتوحات عالم أجمل: “الحزن لا يغيّر من الواقع شيئاً .. لكن الابتسامة تفتح واقعاً جديداً”.
- في الأيام التي يداولها الله بين خلقه: “لو أن شيئاً يدوم على حال .. فلم تتعاقب الفصول؟”.
- في فلسفة الاستماع: “استمع بقصد الفهم .. وليس بنية الإجابة”.
- في الخلل الكامن في النفس لا في الغير: “من الصعب فهم الآخرين .. لأننا نحكم على تصرفاتهم اعتماداً على المعلومات الخاصة بنا”.
- في الإنسان المتفرّد وبصمته التي لا تتكرر: “لا تمش أبداً على الطريق المرسوم .. لأنه يقودك حيث ذهب الآخرون”.
- في القطرة التي لا ينبغي أن تعكّر صفو المحيط: “لا تدع يوماً سيئاً يجعلك تشعر وكأنك تعيش حياة سيئة”.
- في الإنفاق من فيض الروح: “ابتسم .. فأنت لا تعلم أي باب من الأمل تفتحه لغيرك”.
- في الانتقام من النفس: “الرجل الذي يفكّر دوماً بالانتقام .. هو شخص يبقي جراحه مفتوحة”.
- في النار التي لا تأكل سواها: “الغضب هو حمض يؤذي الوعاء الذي يحويه .. أكثر من أي شيء آخر يتم سكبه عليه”.
- في موت الإحساس: “من أصعب وأقسى المشاعر .. ألا تشعر بأي شيء على الإطلاق”.
- في الكبت الذي يولّد الانفجار: “المشاعر المكتومة لا تموت أبداً .. إنها مدفونة وهي على قيد الحياة، وستظهر لاحقاً بطرق بشعة”.
- في الرضا الذي يحقق السعادة: “أحياناً تسعدنا أشياء .. لا قيمة لها عند البعض”.
- في الاستغناء والاكتفاء والاستقلال: “من لم يصنع السعادة لنفسه .. لن يصنعها له الآخرون”.
- في الدمع الذي يعبّر عن الإنسان: “الدموع التي تُذرف من أجل شخص آخر، ليست علامة ضعف .. إنها علامة على قلب نقي”.
- في القناعة ككنز لا يفنى: “السعداء لا يملكون كل شيء .. بل مقتنعون بكل شيء”.
- في النفس التي لا يكلّفها الله ما لا تطيق: “الحزن ثمرة .. والله لا يجعلها تنمو بشكل أكبر من أن نتحملها”.
- في الأخلاق التي تُرى في العمل لا تُسمع في القول: “إلقاء موعظة بتصرفاتك .. أفضل من إلقائها بشفتيك”.
- في العناوين الجميلة التي تصفنا: “خاطب الناس بأسمائهم .. فأسماؤنا هي أجمل شيء تسمعه أذاننا”.
- في اليوم الذي سيتولى ويعقبه آخر جديد: “تذكر أن اليوم هو الغد الذي كنت قلقاً عليه بالأمس”.
- في الكأس المملوء حتى نصفه: “هناك من يتذمر لأن للورد شوكاً .. وهناك من يتفاءل لأن فوق الشوك وردة”.
- في الرأي الآخر الذي ينبغي ألا يُفسد الود: “ليس العيب في الخلاف .. ولكن في التعصب للرأي والحجر على عقول الناس وآرائهم”.
- في مثقال الذرة من الخير: “أفضل طريقة لإلزام الناس أن يقولوا فينا خيراً .. هي أن نصنع الخير”.
- في الصدقة التي لا تكلّف درهماً: “إذا لم يكن لديك شيء تعطيه للآخرين .. فتصدّق بالكلمة الطيبة والابتسامة الصادقة”.
- في مرض النرجسية: “يقرر الأنانيون بشدة ما يحلو لهم .. إنهم لا يهدرون طاقتهم في التفكير في مصلحة الآخرين”.
- في التعالي والتلاشي: “المغرور كالطائر .. كلما ارتفع في السماء صغر في أعين الناس”.
- في الروح الخضرة النضرة: “العبقرية هي أن تحمل روح الطفولة إلى الشيخوخة .. كي لا تفقد الحماس أبداً”.
- في الإناء الذي لا بد بالذي فيه ينضح: “السلطة لا تغيّر الأشخاص .. هي فقط تكشفهم على حقيقتهم”.
- في الشجرة المثمرة التي لا يُقذف غيرها: “إذا ركلك أحد من خلفك فاعلم أنك في المقدمة”.
- في تجنب الغباء العاطفي: “إضاءة: حتى لا تكون غبياً عاطفياً، امنح نفسك وقتاً لإدراك مشاعرك، وتكون متفهماً لمشاعر الآخرين، وتتحمل مسئولية تصرفاتك، مع ملاحظة ردود فعلك العاطفية، ومصارحة نفسك والآخرين بشأن مشاعرك”.
- في الشفاعة للانطوائيين: “أفكار ومعتقدات خاطئة: (خطأ): الشخصية الانطوائية شخصية قليلة الكلام صامتة، وتكره التحدث مع الناس أو الحوار مع الآخرين! (الصحيح): الشخصية الانطوائية تحتاج إلى بعض الوقت لكي تحلل الأشياء وتقوم بالتفكير في حديث الآخرين، ولا تحب أن تتسرّع في استنتاج الحقائق أو الرد على الحديث، ولذلك فهي قليلة الكلام فقط ولكنها لا تكره التحدث مع الناس”.
- في سنبلة الحياة التي تميل تارة وتستقيم تارة: “إضاءة: قد يصيب الركود أي جانب من جوانب حياتنا، ومن أجل مواجهة هذا الأمر، يجب أن نقوم على الدوام بالخروج من نطاق راحتنا، وأن ندفع أنفسنا للقيام بأشياء جديدة، وأن نقوم بتجديد أفكارنا من خلال الذهاب إلى أماكن جديدة، والاشتراك في أنشطة مختلفة، وألا نسمح لأنفسنا أبداً بأن نصبح قانعين أو راضين بالقيام بنفس الأشياء عاماً بعد الآخر، فالروتين قاتل“.
- في الكلمة كسلاح ذو حدين: “أفكار ومعتقدات خاطئة: (خطأ): استخدام كلمات مثل: «دائما» أو «أبداً» لتوضيح ضخامة الأمر. (الصحيح): عبارة، مثل: «أنت تفعل هذا دائماً» أو «أنت لا تفعل ذلك أبداً» تضع الشخص الآخر في موقف دفاعي، وبدلاً من الاستماع إلى ما تقوله، سيركز على الخروج بأمثلة تنفي تصريحك الخاطئ. بدلاً من ذلك، استخدم كلمات معتدلة، مثل: «أحياناً وغالباً»، وهي مصطلحات تترك مجالاً لمناقشة صريحة بين الطرفين“.
على هامش مادة الكتاب، رصدت عيني بعض الإشكاليات الفنية التي قد يتم تفاديها في طبعات الكتاب القادمة، هي:
- تظهر القصاصات الورقية الملونة التي ختمت الكتاب وغطى بعضها غلافه الأخير، صغيرة الحجم تتقلّص عليها عبارات الشكر والإطراء والامتنان المقدمة للمدرب مؤلف الكتاب.
- يحتوي الكتاب على عدد من الصور الإيضاحية التي جاءت قيّمة، غير أن صغر الحجم من جديد مع الشرح المرفق، قد أضاع الفائدة المرجوة منها.
- ترد بعض الأخطاء المطبعية في عدد من الكلمات، مثل: (ص26: الغضب والاستياء والغيرة لا يغيران قلوب الآخرين) والأصح: لا تغير أو لا يغيرون / (ص31: على تكوين العلاقات والصدقات) والصحيح: والصداقات / (ص80: تعلم الضحك، فلضحك أثر كبير) والصحيح: فللضحك.
ختاماً أقول، وقد عبّر غلاف الكتاب عن محتواه بين عقل وقلب يستلهمان الذكاء بانسيابية:
ما برحت البشرية تجعل من العاطفة سكن للقلب! القلب الذي يأتي عادة بما لا يرضى به العقل .. فلم يكن للعاطفة يوماً أن تحظى بمقام الذكاء صاحب الجلالة، وإن كان لها حظ لا يُعتد به في الأمومة والحميمية .. لكنها نتاج القلب الوجداني الذي وجده بشر الألفية الثالثة يتفوق على العقل ونتاجه من ذكاء ونبوغ وتحصيل علمي جاف! قد يثير هذا الانتباه نحو ما اعتبره المؤمنون مجازاً في قوله تعالى “أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا” .. عندما تم كساء القلب حلّة العقل، فما كان القلب في تفسيراتهم سوى مضخة لمادة الحياة التي تغذي كافة الأعضاء أولها الدماغ وهو آلة العقل، فجرى التعبير البلاغي في الآية على القلب أولاً ثم انتقل إلى تأكيد فعل العقل كحقيقة علمية ثابتة ..
غير أنني أقول بدوري في رؤية أكثر تصوفاً: إن للقلب عقله، وللقلب فقهه، وللقلب هديه، وللقلب فؤاده الذي إن شاء له الحقّ أن يرى .. فعين اليقين.
تم نشر مراجعة الكتاب على:
جريدة الشرق جزء1 جزء2
كوش نيوز
سودارس
= = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = =
من الذاكرة: جاء تسلسل الكتاب (3) في قائمة طويلة من كتب فكرية خصصتها لعام 2023 والذي أرجو أن يكون استثنائياً في جودة الكتب التي سأحظى بقراءتها خلاله، وهو أول كتاب اقرؤه في شهر فبراير .. وقد حصلت عليه من المؤلف شخصياً عندما التحقت بإحدى دوراته التدريبية سعياً وراء التطوير المهني الذي ارتجيه .. مشكوراً، مع إهداء بخط يده لا يخلو من فن، يرجو لي فيه: “أهديك هذا الكتاب .. راجياً أن ينال رضاك”.
وإلى جانب هذا الكتاب في مكتبتي، يصطف كتاب (الذكاء العاطفي: وسبب كونه اكثر أهمية من حاصل الذكاء) لمؤلفه/ دانيال جولمان .. والذي أرجو أن اقرأه في أقرب وقت ممكن، على الرغم من قلة قراءاتي في كتب التنمية البشرية.
من فعاليات الشهر: حضرت دورة تدريبية التي سأستكملها في الأشهر القادمة، وهي متعلقة بتعزيز المهارات الشخصية والمهنية من أجل التقدم الوظيفي، وشق مجالات حياتية وإيجابية أخرى.
تسلسل الكتاب على المدونة: 403
التعليقات