وستبقى الروح بين جنبي الإنسان من أعجب ما وضع فيه الرب .. كعالم أكبر ضمّه جرم صغير!
يهدي المؤلف كتابه إلى (إليزابيث) و (بيدرو)، اللذان جعلاه يتذكر دائماً بأنه “ليست هنالك صدفة في التقاء الأحبة”. وعلى الرغم من الاسمين المستعارين اللذين لجأ إليهما المؤلف للمحافظ على السرية التي أقسم عليها كطبيب لا سيما وقد اختص في الطب النفسي، فإنهما كحال الكثير منا الذي قد توّقف في لحظة ما أمام مبنى أو طريق أو منظر أو موسيقى، فاستحضر ذكرى تصفها .. أو التفت نحو غريب مرّ نحوه مروراً عابراً، فتساءل وقد راودته مشاعر غامضة لا قرار لها: أين التقينا؟
لا يتصدى العلم الحديث لتلك الإبهامات قطعاً، إنما قد يبحث في أغوارها علم (ما وراء النفس) أو ما يُعرف بـ (علم النفس الموازي) و (علم الخوارق) و (الباراسيكولوجي)، ليسفر عن نتائج لا يقوى على حملها العقل المنطقي ويحملها مفهوم التناسخ والعوالم الموازية والأكوان المتعددة. وهكذا جاء دور مؤلف الكتاب في قصة أغرب من الخيال، حينما قال: “الشك ودراستي العلمية الصارمة جعلتا من العسير عليّ استيعاب فكرة التناسخ، ولكن شكّي احتفى بسبب شيئين: الأول كثافة وسرعة الأحداث المؤثرة التي مرت، والثاني الرقي الذهني الكبير الذي احتوته”.
فمن هو؟ إنه (د. برايان ويس 1944) الذي يعرّف بنفسه في موقعه الألكتروني بأنه معالج نفسي تقليدي تخرج في كلية الطب بجامعة ييل، ويدير حالياً عيادته الخاصة في ميامي، ويحظى بمنصب رئيس فخري للطب النفسي في مدينته، إضافة إلى عمله كمحاضر في العديد من المعاهد والجامعات ومقدّم لندوات علمية وورش عمل على المستوى المحلي والعالمي.
يندهش ابتداءً حين أخذت مريضته (كاثرين) في تذكر صدمات حياتها الماضية التي فسّرت على نحو ما كوابيسها المتكررة ونوبات القلق التي كانت تنتابها، غير أن شكوكه التي ساورته في البداية قد أخذت بالتلاشي عندما بدأت مريضته في توجيه رسائل من (الفضاء بين الحيوات)، تضمنت حقائق خاصة عن عائلته وابنه المتوفى! وباستخدام تقنية العلاج بالحياة الماضية تمكن من علاج مريضته التي انتهت لديها، في حين شرعت بمرحلة جديدة أكثر أهمية في حياته المهنية لديه!.
يستقبل د. ويس مريضته إليزابيث القاطنة غرب أمريكا، الشقراء الفاتنة رشيقة القوام ذات العينان الزرقاوان، والتي تعاني من الحزن المديد والشعور بالكآبة .. وبيدرو المريض القسيم الوسيم بدوره، القادم من المكسيك، والذي يعاني من الاكتئاب كذلك .. كل على حدة لا يعلم أحدهما عن الآخر شيئاً، وكذلك هو .. فيخضع كل واحد منهما لجلسات التنويم المغناطيسي تليها جلسات الاسترجاع أو بالأصح استرجاع الحيوات الماضية، حيث يكشفان له بالتدريج -في أعقد ما يكون التشويق والإثارة والعاطفة- ارتباطهما الروحي في حياة عاشا فيها كأخ وأخت، وثانية كأب وابنة، وأخرى كزوج وزوجة! يصارع الطبيب رغبته في إخبارهما بما علم ولم يعلما، لا سيما وقد تماثلا للشفاء وشرع كل واحد منهما في العودة إلى دياره، لكنه لا يحنث بقسمه .. غير أنه يلجأ إلى حيلة توقيت مواعيدهما، بحيث يجعلهما يتقابلان عند خروج أحدهما من غرفته، فيبتسمان ويمران بسلام .. إلا أن حيل القدر أكثر حكمة، حيث يعقد لهما لقاءً من حيث لا يحتسبا .. في المطار، حيث تتعطل فيه رحلتيهما .. فيلتقيان، ويتبادلان أحاديثهما ومن ثم أسرارهما الخاصة بحيواتهما السابقة .. وهكذا يجتمع توأم الروح من جديد في هذه الحياة!
لم يقف حد نجاح الجلسات على مستوى المريضين وحسب، بل كان للمعالج نصيب منها! فقد استغرق حديثهما وهما نائمين مغناطيسياً رسائل عميقة، بّثها له من خلالهما (الأرواح المرشدة) .. تناولت مغزى الحياة، وما يكتنفها من مصاعب، وما وراءها من حيوات وغيبيات وأسرار، والحكمة المرجوة من كل ذلك .. الرسائل التي ساعدته وألهمته كثيراً في حياته الشخصية والمهنية على حد سواء.
ومن الكتاب الذي روى قصة حب أزلية في أربع وعشرين فصلاً وحصد رصيد أنجمي الخماسي كاملاً، وقد جاء عن ترجمة متقنة من نصّه الأصلي (Only Love is Real: A Story of Soulmates Reunited – By: Brian L. Weiss) أدوّن ما راق لي، وأقتبس في نص مرهف (مع كامل الاحترام لحقوق النشر):
- يعد جبران خليل جبران أحد ما، بعودته إليه قريباً .. بالكاد من بين لحظة ونسمة، إذ يقول: “لا تنس أبداً أنني سآتي إليك مرة أخرى .. سأعود ثانية من هذا الصمت الشاسع .. هنيهة قصيرة، خفقة نسيم عذبة .. وستلدني امرأة أخرى”.
- ليس التنويم المغناطيسي شيئاً مخيفاً، بل قد يكون شيئاً محبباً فيما يحي به الذاكرة! هكذا يقول د. ويس الذي يستطرد قائلاً: “المريض يستطيع كذلك أن يلاحظ، أن الصور التي يتذكرها تحت التنويم غالباً ما تكون أكثر حيوية وزاخرة بالتفاصيل، أكثر من الذاكرة الواعية للمرء“.
- وعن الحب كحقيقة أولى في الحياة استخلصها د. ويس من مهنته، يؤكد -بعد جلسة أعاد فيها مريضته إليزابيث إلى حياة سابقة مريرة- بأنها لم تكن حزينة، فقد تعلمت شيئاً مهماً، وهو أن: “الحب هو أكبر قوة في هذا العالم” وأن “الحب من الممكن أن ينمو ويزدهر حتى في الأرض المتجمدة وتحت أصعب الظروف! إنه موجود فوق كل شيء ودائماً .. الحب وردة تزدهر في كل الفصول”. وكذلك مريضه المحامي الكاثوليكي، الذي شاهد نفسه في جلسة تنويم مغناطيسي نفسه يحلّق فوق جثته حين كان في العصور الوسطى، ثم ألقي به في الجحيم بين الشياطين، فإذا بمخلوق روحي يقترب نحوه كأول شخص يهتم به .. ولم يكن هذا المخلوق سوى السيد المسيح! والذي بادره بقوله: “ألا ترى أن ذلك لم يكن إلا وهماً؟ فقط الحب هو الحقيقة”.
ختاماً .. وقد حمل الكتاب رسالة عظمى مفادها أن الحياة -التي حبى الله بها الإنسان- لا تنسى أحداً، وأنها لا تفتأ ترسل له من يمنحه الاهتمام والعون والحب .. اتساءل: كم منّا شاهد حياته فوجدها -كما عالم النفس السويسري كارل يونغ- قصة .. تبدو وكأنها تفتقر إلى بداية وإلى نهاية؟!
= = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = =
نقلاً عن المفكرة: جاء تسلسل الكتاب (101) ضمن قائمة لا تنتهي من الكتب التي خصصتها لعام 2024، وهو أول ما قرأت خلال أكتوبر! أما عن اقتنائه، فقد حصلت عليه من متجر (نيل وفرات) الإلكتروني في فبراير هذا العام، ضمن (50) كتاب تقريباً كانوا حصيلة مشترياتي من تلك الشحنة!
خاطرة: لم يقع اختياري لهذا الكتاب عشوائياً! فقد قصدته ليكون الأول في شهر أكتوبر وتحديداً في الخامس منه الذي يصادف يوم ميلادي .. وقد علمت مسبقاً أنه يتدفق من وراء الحجب، وهكذا وجدته يحاكي نوستالجيا تسكنني!
ومن فعاليات الشهر: لا شيء سوى مواصلة النهار بالليل في القراءة وحدها .. وكأنه حلم تحقق!
ومن الكتب التي قرأتها في هذا الشهر: إيروتيكا الشعر الصيني / التدرب على السبيل: نحو حياة ذات معنى / المختطفات: شهادات من فتيات بوكو حرام / تأملات في شقاء العرب
تسلسل الكتاب على المدونة: 551
التعليقات