كتاب وإن جاء مبسّطاً، فهو يصعب قليلاً أو كثيراً على غير أهل الاختصاص!
يضم الكتاب بين دفتيه مجموعة مقالات علمية تتطرق في مجملها إلى أصل الكون والمستقبل المحيط به، والثقوب السوداء المتناثرة في فضائه إلى جانب البيضاء منها ووقودهما النووي، وفيزياء الكم المعقّدة، ونظرية أينشتين النسبية، وإمكانية السفر عبر الزمن، وذلك الزمن المتخيل ……، وموضوعات أخرى تنتهي بالحديث عن الجبرية وعن خلق الله للكون والسؤال الملحق به بالضرورة: هل كل شيء محتمّ أم أن للإنسان الاختيار؟
يضع الكتاب (ستيفن هوكينج 1942 : 2018) عالم الفيزياء الإنجليزي، الأبرز عالمياً. ولد في أكسفورد وتخرّج في جامعتها مع مرتبة الشرف الأولى في الفيزياء، ثم حصل على درجة الدكتوراة في علم الكون من جامعة كامبريدج. تم تشخيصه في صغره بـ (التصلب الجانبي الضموري) والذي سينهي حياته خلال أعوام معدودة حسب الرأي الطبي آنذاك، إلا أنه قد عاش حياة مديدة كانت مثالاً للتحدي أثمرت عن أبحاث ودراسات علمية رائدة، نافس فيها أقرانه الأصحاء واستحق دوناً عنهم كرسي الأستاذ في جامعة كامبريدج، والذي حظي به من قبل السير إسحاق نيوتن .. كما حظي بزوجة وأطفال، حتى مات بينهم بسلام عن عمر ناهز الخامسة والسبعين عاماً. وللمفارقة، وحسب شبكة المعلومات، فإن يوم وفاته يصادف يوم الاحتفال العالمي بميلاد ألبرت أينشتاين، رائد النظرية الفيزيائية الحديثة. وفي كلمة ألقاها في مؤتمر الجمعية البريطانية للأمراض العصبية الحركية، أجاب عن سؤال يتعلق بمرضه قائلاً في نبرة لا تخلو من رضا وتفاؤل: “لا أشعر حياله بالكثير من المشاعر. إنني أحاول أن أعيش حياة طبيعية قدر الإمكان ولا أفكر في مرضي أو أتحسر على الأشياء التي يمنعني المرض من القيام بها، وهي ليست كثيرة للغاية في واقع الأمر”.
لذا، فقد خصّ هوكينج المقالات الأولى من كتابه لعرض جانب من سيرته الذاتية، تتضمن حياته مع والديه المنتميين لعائلة عريقة في مجال الطب، وروح العزة وعزيمة الكفاح وتسخير النفس للإنجاز والعطاء في حياتهم، غير مباليين بالعلاقات الاجتماعية والترف المصاحب لها والمتع الشكلية. ثم يختم كتابه بحوار إذاعي شائق أجرته معه قناة البي بي سي البريطانية. ومقالات الكتاب هي:
- الطفولة
- أكسفورد وكامبريدج
- التصلب الجانبي الضموري
- في مقاربة العلوم
- تاريخ موجز للزمان
- موقفي
- الفيزياء النظرية في الأفق
- حلم أينشتاين
- أصل الكون
- ميكانيكا كم الثقوب السوداء
- الثقوب السوداء والأكوان الناشئة
- هل كل شيء محتوم؟
- مستقبل الكون
- مقابلة شخصية
جاء الكتاب في ترجمة احترافية من نصه الأصلي (Black Holes and Baby Universes – By: Stephen Hawking)، والتي عني بها المترجم المصري محمد الجندي، والذي أثرى بدوره المكتبة العربية بمراجعة وترجمة أكثر من مائتين كتاب، في التاريخ والاقتصاد والسياسة وعلم النفس، وقد نال عام 2016 جائزة «الترجمة العلمية» المقدمة من المركز القومي للترجمة. ومن الكتاب -وقد حظي بثلاث نجمات من رصيد أنجمي الخماسي- أستقطع ما علق في ذهني بعد القراءة، وباقتباس في نص ذهبي (مع كامل الاحترام لحقوق النشر):
- لا يتفق هوكينج مع الرأي الذي يعتبر الكون لغزاً غامضاً .. قابل للتخمين لكن ليس للتحليل والفهم الكاملين! وهو الرأي الذي من وجهة نظره لا ينصف الثورة العلمية التي استهلها جاليليو منذ أربعمائة عام وحملها رايتها نيوتن من بعده، حيث أوضحا بأن بعض مناطق الكون تحكمها قوانين رياضية دقيقة، ولا تسلك بطبيعتها مسلكاً عشوائياً! وعليه، يشجع هوكينج على الاعتقاد بإمكانية فهم الكون فهماً كاملاً من خلال نطاق القدرات البشرية التي قد توصل في نهاية المطاف إلى إيجاد نظرية كاملة عن الكون .. “وفي هذه الحالة سنكون بالفعل سادة الكون”.
- تسببت النظرية النسبية العامة لأينشتاين بأزمة، وذلك لأنها تتنبأ (المتفرّدات) أو بوجود أماكن في الكون يكون للزمكان فيها بداية ونهاية، حيث يعتقد هوكينج بأن معادلات النسبية العامة التي يرتبط انحناء الزمكان فيها بتوزيع الكتلة والطاقة، لا يجوز تعريفها بـ (المتفرّدات)، وهي بالتالي لا تتمكن من التنبؤ بما تنتجه هذه (المتفرّدات). يقول في (حلم أينشتاين): “لا تستطيع النسبية العامة التنبؤ بالكيفية التي يجب أن يبدأ بها الكون عند الانفجار الكبير، ومن ثم فإن النسبية العامة ليست نظرية كاملة. إنها تحتاج إلى عنصر إضافي لتحديد الكيفية التي ينبغي أن يبدأ بها الكون وما ينبغي أن يحدث عندما تنهار المادة بفعل جاذبيتها“.
- وفي المقالة التي حملت عنوان الكتاب (الثقوب السوداء والأكوان الناشئة)، يبسّط هوكينج فكرة الثقوب السوداء التي طالها الكثير من شطحات الخيال العلمي! إذ أن المكان والزمان يشكّلان فضاء آخر منحني يُدعى الزمكان، وذلك بتأثير من الطاقة والمادة. يظهر هذا الانحناء أو التحدّب صغيراً في الموجات الضوئية القادمة إلى الأرض وهي تعبر بالقرب من الشمس، غير أنه يبدو كبيراً كلما ابتعدت الموجات الضوئية عن الشمس. وحسب النظرية النسبية، فإنه لا يمكن لأي شيء أن ينتقل بسرعة تفوق سرعة الضوء، بحيث لابد أن ستكون هنالك منطقة يستحيل فيها الضوء أن يفلت، لذا فإن ذلك الضوء الذي فلت من الشمس سُيسحب عائداً إليها بفعل الجاذبية .. وتلك المنطقة ببساطة تُسمى (ثقب أسود). يستكمل هوكينج رحلة الضوء تلك ويقول: “وبينما يطلق الثقب الأسود الجسيمات والإشعاعات، فإنه سيفقد كتلته، وسيؤدي هذا إلى أن يصبح أصغر وإلى أن تنبعث منه الجسيمات بسرعة أكبر. وفي النهاية، سوف ينخفض إلى كتلة صفرية ويختفي تماما. ماذا سيحدث بعد ذلك للأجسام، بما في ذلك سفن الفضاء المحتملة، التي سقطت في الثقب الأسود؟ وفقا لبعض الأبحاث التي أجريتها مؤخرًا، فإن الإجابة هي أنها ستنتقل إلى كون صغير ناشئ خاص بها. يتفرّع كون صغير قائم بذاته من منطقتنا من الكون. قد ينضم هذا الكون الناشئ مرة أخرى إلى منطقتنا من الزمكان، وإذا حدث ذلك، فسيبدو لنا وكأنه ثقب أسود آخر تشكل ثم تبخر. ستظهر الجسيمات التي سقطت في أحد الثقوب السوداء على هيئة جسيمات تنبعث من الثقب الأسود الآخر، والعكس صحيح”.
- لا يحدد هوكينج ما إذا كانت البنية الأولى للكون قد تمت باختيار الله أو أنها صممت بواسطة قوانين العلم، غير أنه يعتقد بأن العلم سيحتّم التطور المستمر للكون. يقول في مقالة (هل كل شيء محتوم؟) قولاً منطقياً: “لا يمكن للمرء أن يبني سلوكه على فكرة أن كل شيء محتوم، لأنه لا يعرف ما الذي قد تحتم. يتعين على المرء بدلاً من ذلك أن ينتهج النظرية الفعّالة القائلة بأن المرء يملك إرادة حرة، وأنه مسؤول عن أفعاله. هذه النظرية ليست جيدة جداً في التنبؤ بالسلوك البشري، لكننا ننتهجها لأنه ما من فرصة لحل المعادلات المنبثقة عن القوانين الأساسية”. ولحرية الاختيار لدى عالم الفيزياء قيمة اجتماعية، بعيداً عن التنظير العلمي، فيوضّح رأيه في هذا قائلاً: “يوجد أيضاً سبب دارويني وراء إيماننا بالإرادة الحرة: المجتمع الذي يشعر فيه الفرد بالمسؤولية عن أفعاله من المرجح أن يتعاون ويبقى على قيد الحياة لنشر قيمه. بالطبع، يتعاون النمل تعاوناً جيداً، لكن مجتمعاً كمجتمع النمل هو مجتمع جامد، إذ لا يمكنه أن يستجيب للتحديات غير المألوفة، أو أن يطوّر فرصاً جديدة. غير أن مجموعة من الأفراد ذوي الإرادة الحرة الذين يتشاركون بعض الأهداف المشتركة، يمكنهم أن يتعاونوا في تحقيق أهدافهم المشتركة، ومع ذلك يتمتعون بالمرونة لصنع الابتكارات. ومن ثم فإن مثل هذا المجتمع من المرجح أن يزدهر وينشر نظامه القيمي”.
ختاماً، وبينما يعبّر اسحق نيوتن بلغة فيزيائية عن الحركة الميكانيكية بقوله: (لكل فعل رد فعل مساوي له في المقدار وعكسه في الاتجاه)، يعتقد ستيفن هوكينج بأن صفة العناد لا بد وأن تلازم كل ذي عقل .. وإنه “قوي الإرادة والعزيمة” .. وحسب اعترافه “لو لم أكن كذلك إلى حد ما، لما كنت هنا الآن”.
تم نشر مقالة عن الكتاب في جريدة العربي الجديد: ضفة ثالثة
= = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = =
نقلاً عن المفكرة: جاء تسلسل الكتاب (5) في قائمة لا تنتهي من الكتب التي خصصتها لعام 2024 والذي أرجو أن يكون استثنائياً بحق في جودة الكتب التي سأحظى بقراءتها فيه، وقد حصلت عليه من معرض للكتاب بإحدى المدن العربية عام 2023 ضمن (400) كتاب كانوا حصيلة مشترياتي من ذلك المعرض! في الحقيقة، جاء هذا الكتاب كترشيح قوي من صاحب دار النشر، وقد كان كرماً منه أن أهدانيه.
وللمؤلف على مكتبتي، كتابين آخرين حصلت عليهما من نفس دار النشر، هما: تاريخ موجز للزمان: من الانفجار الكبير الى الثقوب السوداء / التصميم العظيم: إجابات جديدة على أسئلة الكون الكبرى
وعلى رف (العلم) في مكتبتي، وبالإضافة إلى الكثير من الكتب القديمة التي انتقلت من مكتبة العائلة .. تصطف كتب عديدة من اختياري، أذكر منها: (الكون الأنيق: الأوتار الفائقة، والأبعاد الدفينة، والبحث عن النظرية النهائيّة) – تأليف: برايان غرين / (ألغاز تاريخية محيرة) – تأليف: بول أرون / (شرخ في التكوين) – تأليف: د. جنفر داودنا / (الدماغ البشري) – تأليف: سامي الموصلي / (نرد أينشتين وقطة شرودنجر) – تأليف: د. بول هالبرن / (البحث عن قطة شرودنجر) – تأليف: جون جريبين / (عالم الرياضات العجيب) – تأليف: جين أكياما / (الجين: تاريخ حميم) – تأليف: سيدهارتا موكرجي / (طبيعة العالم الفيزيائي: النظرية النسبية ونظرية الكم وأسئلة الإنسان الكبرى) – تأليف: سير آرثر ستانلي / (الكون: عوالم محتملة) – تأليف: آن درويان / (عن هذا الكون الفسيح: حقائق عن الكون، والظهور الأول، ونطاق العلم) – تأليف: نيل تايسن / (قصة الأصل) – تأليف: ديفيد كريستيان / (نظام الزمن) – تأليف: / كارلو روفيللي
من فعاليات الشهر: ومع الأمنيات التي حمّلتها العام الجديد مع انقضاء العام الفائت .. فلقد افتتحت في أول يوم قناة لطيفة على موقع يوتيوب، والتي سأخصصها لنشر مراجعات الكتب صوتياً.
ولا زلت أترقّب شحنة الكتب التي طلبتها من متجر نيل وفرات للكتب، والتي ستحمل لي أكثر من ستين كتاب. كم يبدو العام مثمراً بالخير مع تباشيره!.
تسلسل الكتاب على المدونة: 455
التعليقات