الباب وقصص أخرى

هنا مجموعة قصصية تكشف عن جانب من ألغاز النفس البشرية التي لم يقل مؤلفها عنها عبقرية .. بل إنها تكشف من جانب آخر، مدى بصيرته وحدسه وحنكته!

إنه أنطونيو فرناندو بيسوا (1888 : 1935)، أعظم شعراء البرتغال الذي يُصنف ضمن أهم الشخصيات الأدبية في القرن العشرين، وهو كذلك فيلسوف وكاتب ومترجم وناقد أدبي. وبالإضافة إلى إصداراته المنشورة، فقد ترك بيسوا عند وفاته سبع وعشرون ألف وخمسمائة وثلاث وأربعون مخطوطة غير منشورة، ضمّنها أشعاره وفلسفته وآرائه ومسرحياته وترجماته، وذلك حسب إحصائية دقيقة عن إحدى دور النشر البرتغالية .. فضلاً عن تلك الشخصيات الأدبية التي خلقها بتوجهاتها الفكرية المختلفة، أو بمعنى أدق، الأسماء المستعارة العديدة والمتعددة التي اخترعها وكتب من خلالها، ووضع عنها إصداراتها المستقلة، والتي وصلت إلى نحو ثمانين شخصية متفرّدة، وهي محفوظة اليوم في (أرشيف بيسوا) في مكتبة لشبونة الوطنية، وله نصب تذكاري وهو جالس خارج مقهى كان يتردد عليه، في عاصمة بلاده.

فبعد المقدمة التي يضعها المترجم المغربي (سعيد بنعبد الواحد 1966) المختص في ترجمة الأعمال الإسبانية والبرتغالية إلى اللغة العربية، تعرض صفحة المحتوى خمسة نصوص قصصية تُعد من أبرز ما وضع بيسوا في الأدب القصصي، وتنتهي بخمسة نصوص سردية تعبّر عن مغزى عميق رغم قصرها .. وقد خصّ المترجم هذه المجموعة تحديداً لما لها من إجماع في الساحة الأدبية على “صيغتها النهائية وقيمتها الأدبية والفنية” .. وهي:

• الباب

وتكشف القصة عن جانب من تناقضات النفس البشرية الأقرب إلى الجنون، في إطار فلسفي

• عشاء جد متميز

وتكشف القصة عن جانب مظلم من النفس البشرية التي قد يدفع بها الانحراف إلى أبشع ما يتصوره عقل

• السالك

وتكشف القصة عن تقلبات النفس البشرية وتطلعاتها أثناء عبورها رحلة الحياة، من خلال فنتازيا تنقّل فيها بطلها بين (اللذة) و (المجد) و (السلطة) و (الطيبة) و (الحكمة) و (الموت) و (الزهد) و (الجهد).

• سرقة في مزرعة فنياش

وتكشف القصة عن دهاء النفس البشرية في ممارسة الشر بخفاء وفي كشفه علانية

• البنكي الفوضوي

وتكشف القصة عن عمق النفس البشرية في تناول الهموم الاجتماعية والسياسية والفكرية من خلال حوار فلسفي وفكر تجريدي خالص

• خمس حكايات ذات مغزى (سر روما، سرايفا والفتيات، أنا حضرة الدكتور، الحمار والضفتان، سواريش وبيريرا).

ومن قصة (البنكي الفوضوي)، أقتبس ما ورد في حوار البطل مع صاحبه، حول النظرية الفوضوية وشخصيته كفوضوي واعٍ (مع كامل الاحترام لحقوق النشر)، وقد استقطعت المجموعة اثنتان من رصيد أنجمي الخماسي: “كما قلت، بما أنني كنت متبصراً بشكل طبيعي، فقد أصبحت فوضوياً واعياً، لكن، ما هو الفوضوي؟ إنه متمرد ضد الظلم المتمثل في أن نولد غير متساوين اجتماعياً. في الواقع هذا كل ما في الأمر، ومن هنا ينشأ كما نرى، التمرد ضد الأعراف الاجتماعية التي تجعل اللامساواة ممكنة. إن ما أشير إليه الآن هو المسار النفسي، أي كيف يصبح المرء فوضوياً؛ وهو ما يقودنا لنرى الجانب النظري للموضوع بصورة مؤقتة، عليك أن تفهم جيداً تمرد شخص ذكي مثلي في الظروف التي كنت أعيشها. ماذا يرى في العالم؟ هناك من يولد ابن مليونير، محمياً منذ المهد ضد تلك المصائب -وهي ليست بالقليلة- التي يمكن للمال أن يردها أو يخفف منها؛ وهناك من يولد بئساً، ليكون منذ طفولته فماً آخر ضمن أسرة تزيد فيها عن اللازم الأفواه التي تنتظر الطعام الممكن؛ هناك من يولد بلقب كونت أو مركيز، فيحظى باحترام كل الناس، مهما صدر عنه من فعل؛ وهناك من يولد مثلي، وعليه أن يكون مستقيماً مثل فادن ليحظى بمعاملة كإنسان على الأقل. ومن الناس من ينشؤون في ظروف تسمح لهم بالدراسة، والسفر والتعلم، ليصبحوا يمكن أن نقول ذلك أكثر ذكاء من آخرين هم أذكياء بطبيعتهم. وهكذا في كل الأمور … إننا لا يمكن أن نتفادى ظلم الطبيعة، لكن ظلم المجتمع والأعراف، هذا الظلم، لماذا لا نتفاداه؟ إنني أقبل -ليس لي بد من ذلك- أن يكون إنسان أفضل مني نظراً إلى ما منحته الطبيعة: الموهبة، والقوة والطاقة؛ لا أقبل أن يكون أفضل مني بصفات مصطنعة لم يخرج بها من بطن أمه، بل حصلت له صدفة عندما خرج: الغنى، والوضعية الاجتماعية، والحياة الميسورة … إلخ . من هذا التمرد الذي أعرضه عليك في هذه التأملات تولدت فوضويتي آنذاك، وهي كما قلت لك الفوضوية نفسها التي أحتفظ بها إلى اليوم دون تغيير“.

= = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = =

نقلاً من المفكّرة: لقد حصلت على المجموعة القصصية من معرض في إحدى المدن العربية خلال عام 2019، ضمن (80) كتاب تقريباً كانوا حصيلة مشترياتي من ذلك المعرض.

تسلسل المجموعة القصصية على المدونة: 346