الكتاب
الاعتذار
المؤلف
الكتاب باللغة الأصلية
The Apology - By: Eve Ensler
المترجم/المحقق
سها السباعي
دار النشر
دار الكرمة للنشر والتوزيع
الطبعة
(1) 2021
عدد الصفحات
144
النوع
ورقي
تاريخ القراءة
09/14/2024
التصنيف
الموضوع
سيرة ذاتية قاتلة وهي مقتولة
درجة التقييم

الاعتذار

إنها سيرة ذاتية .. قاتلة وهي مقتولة!

فبينما تهدي الكاتبة والناشطة صاحبة السيرة الأمريكية سيرتها إلى كل امرأة لا تزال تنتظر اعتذاراً ممن أساء لها، ولآلاف النساء اللاتي قابلنها في المستشفيات والسجون والمخيمات والملاجئ والمدارس والكليات وحقول الحروب ودور العبادة على مدار عشرين عاماً الماضية، وألهمنها لمواصلة الكفاح من أجل نيل الحرية والأمن والمساوة .. فهي تخص سيرتها لأولئك الرجال الذين آذوا من آذوا من النساء، علّها تلهمهم بدورها لإجراء حساباتهم العميقة .. والاعتذار!

تكتب إيف سيرتها من خلال اعتذار متخيل كانت ولم تزل تنتظره من والدها -وقد هلك- عمّا انتهكه من جسدها الغض حينما كانت طفلة في الخامسة من عمرها، وما كفاه إذ استمر في غيّه وقد باتت شابة … بل وهكذا حتى قضى! تقول إيف على لسان والدها: “لكنني أراوغ في التمرين! دعوتني إلى هنا لأقدم اعتذاراً. وعدت بإجراء أشمل محاسبة أستطيع إجراءها. لم أقل إنني سأتوقف إذا هبطت في موضع أكثر قابلية للاحتمال. أنا أفعل ما فعلته حين كنت حياً. أساوم، أتلاعب.. الحفاظ على مصالحي فوق كل شيء آخر. تموت العادات موتاً بطيئاً”.

على ما يثير الاعتذار من شفقة تجاه الضحية البريئة، وما يفضح من فحش تورط فيه أب وحش، وما يكشف من خبايا النفس التي رسخ خبثها معاملة والدين وتربية قاسية، فإن رسالة الاعتذار هذه تظهر على قدر من المثالية في كشف التفاصيل من غير مواربة، والاعتراف بممارسة العنف الجنسي والجسدي والنفسي والعاطفي مع سبق الإصرار والترصد، وعدم تبرئة النفس، والإقرار بالعقاب المستحق، والتعبير عن شدة الندم، والامتناع عن محاولة استدرار العواطف والتماس الأعذار.

فمن السيرة الدموية التي نالت -مع ما نالت من أعصابي- ثلاث نجمات من رصيد أنجمي الخماسي، أقتبس في نص قانٍ خواطر مبثوثة، تعبر عن الواقع الإنساني كما واقع صاحبة السيرة (مع كامل الاحترام لحقوق النشر):

  • والدها في اعترافه السري عن حقيقة معدنه وخواءه الداخلي: “استحوذت عليّ طاقة شيطانية شعرت أنها ستقودني بالتأكيد إلى جريمة عنيفة أو جنون أو كارثة. ومن المحتمل أنني أردت هذا سراً، أزمة من نوع ما ستحطم هذه الصورة التي لا تُطاق وتطمسها نهائياً، تلك الفكرة السخيفة المتعجرفة عن كمالي الأسمى”.
  • وسيلته الوضيعة في احتقار الغير لإشباع غروره المريض: “كان السحر وسيلة تحصيني. خدم غرضاً مزدوجاً. استدرج الناس إليَّ وأبقاهم متحمسين ومسرورين لفترة طويلة بما يكفي للوقوع تحت تأثير فتنتي. ثم بعد ذلك، حتى حين شعر الناس أنني حقرتهم أو آذيتهم أو أخفتهم، أربكهم السحر، لكن مثل سلوك الذبابة مع العسل، يتشبثون بي على الرغم من ألمهم”.
  • ولأنه حلم بأن يكون مفكراً وفيلسوفاً، فهو يستمر ليفسر سلوك أولئك الناس تجاه من يحقّرهم: “لاحظت أن الناس غالباً ما يبدون مستميتين من أجل الشخص الذي لا يكترث لهم! إنهم ينجذبون تجاه الأكثر انتقاداً وإصداراً للأحكام لأن هذا الشخص يؤكد أعمق شكوكهم في كونهم زائفين لا قيمة لهم”.
  • وهو يصرّح عن جانب وحشي مستتر في أعماقه جاهد في مداراته: “كانت فكرة أن تُحبس في منزل مع امرأة مملة وأطفال مقرفين في روتين كئيب، فكرة تصيب بالشلل”.
  • يعود إلى طفولته البائسة ليبرر ما كان عليه الذي أدى إلى ما صار إليه: “كنت متمرساً وضليعاً في فن كسر الناس. ألم أكسر في طفولتي الأولى؟ أفصم من ذاتي؟ أجبر على أن أكون شخصية مهووسة بالعظمة ومستحيلة؟ ألم يقتل والداي في سعيهما للحصول على «ملكهما الإلهي» أي مظهر من مظاهر ضعفي أو تعاطفي أو تواضعي أو شكي؟ ألم يعلماني من خلال أشد تقنيات تربية الأطفال الألمانية صرامة أن وظيفة الوالد كانت إزالة كل التصلب والخبث في الطفل من خلال التعنيف والعصا؟ أن العصيان شكّل حرباً ضد الوالد وأن أي عناد ينبغي أن يُقابل بالضربات؟ غُرست آثار ذلك التدريب عميقاً في داخلي”. ثم يقرّ بأن ما تعرّض له من قسوة على يد والده وشقيقه الأكبر، وحرص على تحمّله وكتمانه منذ صغره “هو ما سمح لي بأن أرتكب في حقك عنفاً أعمق وأشد بطشاً. وكانت هناك مهمة موازية وملحة، أن أبقيك خاضعة وهادئة حتى لا تفضحي سرنا أبداً. أصبحت جلاداً صالحاً”.
  • وكالثعبان يفحّ سماً ويصف فعلته الأولى تحت جنح الظلام: “اليدان ببطء وبهدوء عبر صدرك، عبر البهجة الطفيفة للحلمتين الناشئتين كالبراعم. بدا أن هذا يجعلك ترتاحين وتسترخين بعض الشيء. لكن الأمر كان أكثر من ذلك بالنسبة إليه. أراد هذا. أسفل بطنك اللينة حيث كنت تدغدغين. ثم ببطء وبشكل أكثر منهجية إلى الأسفل، إلى أسفل حيث سروالك الداخلي القطني”. يكمل في فحش متناهٍ وهو يقرّ بأن رغبته كانت أقوى من حرصه على سلامتها العقلية، وهو لا يزال يقول: “كنت رجلاً في الثانية والخمسين من عمره مع طفلة في الخامسة من عمرها”. ثم يعترف في موضع آخر على إصراره الشيطاني في إيذائها قائلاً: “اغتصبتك بأصابعي الخشنة. اخترقتك مراراً وتكراراً. أتوغل أعمق وأعمق إلى داخل المكان الذي قد تتأذين فيه أكثر. أقهرك أرغمك ضد إرادتك”. وهو يشبهها بالأرض المنتزعة في الحروب وبالغنائم المسلوبة، التي لا يبالي كيف ينتهك كل ما نمى فيها طالما أنها باتت ملكه، يقول: “من الأفضل أن تكوني منكسرة ومنحنية. أسهل للأسر.. أسهل للسيطرة”.
  • وهو في مثواه الأخير يصف مآله البائس الذي بدى فيه كسلطعون لفظه البحر على الشاطئ منذ شهور أو ربما أعوام، منهكاً ومنكسراً وزاحفاً فوق الرمال الساخنة، ثم ينتبه لمعالمه الغريبة التي طرأت عليه: “تشكلت مرة أخرى. أشعر بنفسي. اختفت ملابسي. وكذلك جنسي. لدي نهدان صغيران وساقان أقصر وقدمان أصغر. معدتي لينة. هناك شامتان فوق عيني اليسرى. هذا وجهك، يا «إيف». هذا جسدك. أنا بداخله. ألاحظ دماً”. يختنق، ثم ينزف أنفه وتلتوي عنقه، ويعاين الكدمات فوق فخذه، ويقول: “أشعر باللسع في طرف مؤخرتي بسبب المضرب”. ويستمر في تصوير عذابه اللامتناهي في (الليمبو) أو دهليز جهنم كما في كوميديا دانتي، قائلاً: “أنا الجرح وصانع الجرح. أنا أحترق. أتدحرج على الرمال، ألقي نفسي في البحر. يُهيج الماء المالح القطوع والجروح ويلهبها. مهبلي يشتعل. أمسكه وأرتج وأصرخ وأصيح ويخرج من فمي صوتك! صوت فتاة صغير معذّب”.

أخيراً أقول: لست ممن تقرأ القصص كثيراً ولا بالتي تتقن روايتها .. لكن هذه تستحق القراءة لما لها من أبعاد إنسانية، لا بد وأن تترسخ عميقاً لدى كل من كان له قلب!

 

= = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = =

نقلاً عن المفكرة: جاء تسلسل السيرة (98) ضمن قائمة لا تنتهي من الكتب التي خصصتها لعام 2024، والذي أرجو أن يكون استثنائياً في جودة الكتب التي سأحظى بقراءتها فيه، وهي في الترتيب (6) ضمن ما قرأت خلال سبتمبر! أما عن اقتنائها، فقد حصلت عليها من معرض للكتاب في إحدى المدن العربية عام 2023 ضمن (400) كتاب كانوا حصيلة مشترياتي من ذلك المعرض!

ملاحظة: تظهر إيف على منصة (TED) لتخاطب النساء والرجال معاً، وتخبرهم على الملأ عمّا خبرته من عنف أمثال الكثيرات من بنات جنسها، ولتؤكد على (القوة العميقة للاعتذار الحقيقي) وبأن أقل ما ينبغي على كل رجل متورط فعله هو تقديم (الاعتذار).

ومن قبل، قرأت سيرة أشد دموية للكاتبة الإنجليزية-الأيرلندية (توني ماغوير) جاءت على جزئين: لا تخبري ماما / تركوا بابا يعود

ومن فعاليات الشهر: لا شيء سوى مواصلة النهار بالليل في القراءة وحدها .. وكأنه حلم تحقق!

ومن الكتب التي قرأتها في هذا الشهر: السرقة من المسلمين (الساراسن) / خطاب العنف وعنف الخطاب / مجتمع الاحتراق النفسي / اشف جسدك / كون عقلك / أنا والكتب

وعلى رف (سير ذاتية) في مدونتي .. المزيد!

تسلسل السيرة على المدونة: 548

تاريخ النشر: سبتمبر 20, 2024

عدد القراءات:104 قراءة

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *