كتاب يتحدث من منظور اللاوعي الذي من خلاله تبدو كل القدرات البشرية الميتافيزيقية ممكنة، وتتراءى وكأنها حقيقة لا لبس فيها .. وهي تتراوح بين الخرافات والأسطوريات والمرويات، وبين تلك الحالات التي شهدت حقيقة من خوارق الطبيعة، ما تم توثيقه!
ولهذا، يستعين الكتاب بمرويات تعود لحقبة ما قبل الميلاد، وبمخطوطات السحر القديمة مثل (الكابالا اليهودية) و (الشامانية الكورية)، وبالفلسفة الإغريقية، وبطرق الصوفية، وبعلم اللاهوت، وبالخيمياء القديمة، وبتشريح الدماغ، وبالتحليل النفسي، وبأحداث تسلّط السحر وتراجعه في القرون الأوروبية الوسطى وحرق الساحرات، وبلوغ الروحانية أوجها في القرن التاسع عشر، والهوس بالأجسام الغريبة في القرن الماضي، وحالات التخاطر والتناسخ والأجسام النجمية وقصص اختطاف الكائنات الفضائية الحديثة .. مع الكثير الكثير من سير أعلام الأدب والفلسفة والسحر والتأريخ!.
تلك الخوارق التي لا يزال يصاحبها بطبيعة الحال جدل قائم بين العلم بماديته وبين الدين وروحانيته، بحيث تصبح طائفة الرسامين والشعراء والعرافين والمنجمين والسحرة خير ممثل لتلك القدرات الماورائية، لا سيما من خلال تمكّنهم من تحريك تلك (العضلة العقلية) أو كما أطلق عليها المؤلف (الملَكَة س) والتي ليست سوى (الحاسة السادسة) .. وهي الهبة التي يعتقد أن البشر قد تناسوها في خضم تطورهم العقلي، وتمكّن أولئك وحدهم -في عملية تفكير خارج الصندوق- من استعادتها واستغلالها في تطوير قدراتهم الخاصة واكتساب فهم أعمق للواقع، بحيث لا تعدو أمامهم تلك الظواهر التي يُطلق عليها غامضة إلا كمظاهر طبيعية وشائعة، كشروق الشمس وغروبها. لذا، يأتي عنوان الكتاب الفرعي بـ (دراسة في القوة الكامنة التي يملكها البشر للوصول إلى ما وراء الحاضر) معبّراً.
ومع الكتاب الموسوعي، لا بد وأن يأتي المؤلف موسوعياً بالضرورة! إنه إذاً الكاتب الإنجليزي كولن هنري ولسون (1931 : 2013)، والذي تذكر عنه شبكة المعلومات أنه ترك تعليمه المدرسي في سن السادسة عشرة لإعانة عائلته الفقيرة، إلا أنه تمكّن من وضع كتابه الفلسفي الأول (اللامنتمي) وهو في سن الخامسة والعشرين، والذي حقق به شهرة واسعة في الأوساط الثقافية، على الرغم من تعريض بعض النقاد لآرائه ووصمه بالدجل. وهو وقد توجه في آخر حياته للكتابة حول موضوعات السحر والتصوف وما بعد الموت، فقد كان من المستغرب أن يذيع صيته عند القرّاء العرب في حين أنكره القرّاء الغرب باعتباره كاتباً غير جاد.
جاءت نظرية (الملكة س) مثيرة للانتباه، والتي يمكن تفسيرها كلمحات مفاجئة من السعادة اللامتناهية، والتي يمكن لمسها في تلك اللحظات التي يبدو فيها كل شيء في العالم في موضعه الصحيح! ووفقاً للمؤلف، فإن ما يمنع الإنسان من تحقيق حالة مستدامة من الرضا والسعادة هو حقيقة كونه سجين لتصور محدود عن الوجود، فهو يهيمن عليه العالم المادي طوال الوقت، بتفاهاته التي لا تحمل أي معنى، وبحياة ميكانيكية يصبح كل شيء فيها قابل للتنبؤ .. غير أن تلك الملذات اليومية الباهتة تمنع الشعور التام باليأس. ومع عدم دوام المتعة، يعيش الإنسان في حالة دائمة من الملل ينتظر فيها تلك المتع الصغير القادمة. لذا، يُصبح أولئك الذين تعرّض لهم المؤلف ولأعمالهم بالدراسة في كتابه، نماذج حية في إدراك حقيقة خواء هذا الوجود، وفي الترفّع عن مُثُل الحياة التافهة ومتعها الصغيرة، وفي محاولتهم اكتشاف الواقع الحقيقي والحصول على رؤية شاملة تعطي المعنى لكل شيء، وتجعل المتعة الدائمة حقيقة من حقائق الحياة.
ينقسم الكتاب إلى ثلاثة أقسام رئيسية يتفرّع عنها مواضيع ذات صلة، وقد نال بها الكتاب من رصيد أنجمي الخماسي اثنتان فقط، حيث اكتفيت بالقراءة السريعة في أواخره رغم قراءتي المتأنية في بداياته. والأقسام هي:
- القسم الأول: استقصاء للموضوع
- السحر: علم المستقبل
- الجانب المظلم من القمر
- الشاعر عارفاً بالغيب
- القسم الثاني: تاريخ السحر
- تقدم الانسان
- سحر الانسان البدائي
- خبراء ومبتدئون
- عالم القبليين
- خبراء ودجالون
- القرن التاسع عشر: السحر والرومانتيكية
- القسم الثالث: قوى الانسان الخفية
- السحر وجنون الذئاب
- نظرات خاطفة
رغم ما سبق، فإن على الكتاب بعض التحفظات التي تجاوزت معها في قراءته! فالمؤلف بدى وكأنه يميل لتصديق كل ما قد يأتي به أولئك الذين صنّفهم بالخارقين، كحقائق علمية ثابتة، دون عرضها على مقاييس التحليل العقلي والنقدي، أو عرض الآراء الأخرى المشككة والمعارضة والمحايدة على حد سواء، ما جعل من توجهه ذلك يبدو ساذجاً. ومن ناحية أخرى، فالكتاب يضم زخم من المعلومات والأحداث التي وقعت في أزمنة ساحقة ما يثير علامة استفهام كبيرة حول مصداقيتها، فضلاً عن شطحاتها التي لم يدعمها رأي علمي أو توثيق تأريخي مؤكد ومجمع عليه .. الأمر الذي يشكك في مصداقية مادة الكتاب ككل.
ومن الكتاب الذي جاء في ترجمة متقنة عن نصّه الأصلي (The Occult: The Ultimate Guide for Those Who Would Walk with the Gods – By: Colin Wilson)، أقتطف بعض ما علق في ذهني بعد القراءة، وباقتباس في نص سماوي (مع كامل الاحترام لحقوق النشر):
- في الحديث عن الإحساس المفاجئ والمفعم بالمعاني والذي يتجاوز في فورته ذات الإنسان، ما تضع من مشاغله الشخصية في خانة التوافه من الأمور، ينقل المؤلف في (السحر علم المستقبل) عن الفيلسوف الإنجليزي برتراند راسل رأيه، وقد لمس بيده هكذا إحساس، قائلاً: “لا بد لي قبل أن أموت أن أجد طريقاً «ما» لقول الشيء الأساسي الذي هو في داخلي، والذي لم أقله أبداً بعد ـ إنه شيء ليس حباً وليس كراهية ولا شفقة ولا احتقاراً ، وانما هو نفس الحياة ، نسمتها ذاتها، قوي جامح آت من مكان قصي بعيد، جالباً في داخل الحياة الإنسانية قوة الأشياء اللاإنسانية الهائلة والخالية من أي عاطفة الى درجة مخيفة”.
- أما في (الشاعر عارفاً بالغيب)، يصبح مع حالات التخاطر عن طريق مهارة التليباثي والعقل الجمعي، مجالاً لتقبّل فكرة تواجد الماضي والحاضر والمستقبل في عقل البشر الجمعي، في آن واحد .. وهو الافتراض الذي يؤكد عليه كتاب الحكمة الصيني (آي تشينج). يقول المؤلف: “إنها فكرة من الأفكار التي طرأت للعديد من الباحثين عن الغيب: إن الحياة أساساً لعبة من نوع ما، شرطها المسبق هو أن على لاعبيها أن يعانوا من فقدان الذاكرة، ثم يكون عليهم أن يتكيفوا بأفضل صورة تمكنهم مع سلسلة الاختيارات التي تعرض لهم على مدى ثلاثة أرباع قرن. وفي هذه الحالة يمكن أن نعتبر المجرمين هم الخاسرين، فهم الذين اختاروا أسوا البدائل الممكنة، أما الرابحون فلا بد أن يكونوا أولئك الذين اقتربوا من الانتصار على عادة (النسيان) التي نبدأ بها اللعبة. وفي رواية (الغريب الغامض) طرح مارك توين تأكيداً مقلقاً يقول أن الله أرهقه أن يكون وحيداً في كون خال، فخلق استعراض (خيال الظل) الذي ندعوه الحياة، حيث لا يوجد من هو حقيقي سواه هو، اما الآخرون فكائنات آلية صنعت بحيث تبدو كالحية. ان مؤسس علم العلم رون هابارد، يقول أن الناس آلهة اخترعوا العالم ليكون لعبة لهم، هبطوا إليها ثم أصبحوا ضحايا فقدانهم ذاكرتهم، وهكذا وقعوا في فخ لعبتهم. ولسنا هنا بحاجة إلى الإشارة إلى أن كل الأديان العظيمة تؤمن بالرأي القائل بأن جوهر الانسان وجوهر الله واحد. ولقد صاح نيجنسكي في لحظة جنونه «أنا إله، أنا إله»”.
- يظهر الإنسان وكأنه بحاجة دائمة للمزيد من الآلهة، وذلك من أجل السيطرة على البيئة التي خرج إليها ليجعلها في قبضته! فإذا ركب البحر خلق إله للبحر ليستعين به، وإذا أراد السفر استعان برب المسافرين … وهلم جرا! يقول المؤلف في (سحر الإنسان البدائي) وما اعتنقه من أديان: “ووسط كل هذا الغليان والضجيج، لم تكن هناك سوى فرصة ضئيلة لذلك التركيز الكثيف للعقل الذي كان يميز (الشامانات) القدامى. ومالت كل الأديان والنزعات الغيبية التي نبعت من هذا التركيز الكثيف إلى أن تكون بسيطة وصوفية النزعة. أنها نوع من محاولة التعرف على جوانب من المعنى الكامن هناك بالخارج، وعلى ملامح من القوى التي قد يستطيع الإنسان أن يلتصق بها لكي يستمد منها الطاقة إذا استطاع أن يوجه عقله نحوها باقتناع وإيمان قوي. إن كل الأديان الكبرى: اليهودية والبوذية والهندوسية والمسيحية والإسلام، أديان بسيطة بهذا المعنى، ولكن هذه الأديان، عندما تقع في أيدي العاديين من الناس -وهم التسع وتسعون بالمائة اللادينيين- فإنها سرعان ما تفقد هذه البساطة وهذه الرؤية الواضحة، ثم تشرع في اصطناع حشود من الملائكة والأرباب والشياطين”.
ختاماً، يبدو أن العلم الذي تطور بشكل مضطرد خلال القرون القليلة الماضية، قد جعل الكون يبدو أكثر غرابة وأكثر مثاراً للاهتمام مما اعتقد أسلافنا، بل مما يجرأ علماء اليوم من الاعتراف به!
= = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = =
نقلاً عن المفكرة: جاء تسلسل الكتاب (6) في قائمة لا تنتهي من الكتب التي خصصتها لعام 2024 والذي أرجو أن يكون استثنائياً بحق في جودة الكتب التي سأحظى بقراءتها فيه، وقد حصلت عليه من معرض للكتاب بإحدى المدن العربية عام 2023 ضمن (400) كتاب كانوا حصيلة مشترياتي من ذلك المعرض! في الحقيقة، جاء هذا الكتاب كترشيح قوي من صاحب دار النشر، وقد كان كرماً منه أن أهدانيه.
وللمؤلف على مكتبتي، ثلاث كتب أخرى لم أقرأها بعد، هي: اللامنتمي / الحاسة السادسة / أصول الدافع الجنسي
وعلى رف (علم الطاقة والروحانيات) في مكتبتي، تصطف كتب عديدة أخرى، أذكر منها: (الكوكب المميز: كيف صُمِّم موقعنا في الكون للاكتشاف) – تأليف: غييرمو غونزاليز / (كتاب الأرواح) – تأليف: آلن كاردك / (الحياة ما بين الحيوات) – تأليف: مايكل نيوتن / (تشخيص الكارما: نظام الضبط الذاتي الحقلي) – تأليف: سيرجي لازاريف / (الخيال العلمي والفلسفة: من السفر عبر الزمن الي الذكاء الفائق) – تأليف: سوزان سينج / (تسعة تصورات عن الزمن: السفر عبر الزمن بين الحقيقة والخيال) – تأليف: جون جريبين / (عملية الحضور: رحلة إلى داخل إدراك اللحظة الحالية) – تأليف: مايكل براون / (العوالم الكونية السبعة وأجساد الإنسان السبعة) – تأليف: نوفل داؤد / (الشاكرا يوغا) – تأليف: آنوديا جوديث / (فيزياء الروح) – تأليف: د. أميت غوسوامي/ (The Secret – The Power – The Magic) – تأليف: Rhonda Byrne
من فعاليات الشهر: ومع الأمنيات التي حمّلتها العام الجديد مع انقضاء العام الفائت .. فلقد افتتحت في أول يوم قناة لطيفة على موقع يوتيوب، والتي سأخصصها لنشر مراجعات الكتب صوتياً.
ولا زلت أترقّب شحنة الكتب التي طلبتها من متجر نيل وفرات للكتب، والتي ستحمل لي أكثر من ستين كتاب. كم يبدو العام مثمراً بالخير مع تباشيره!.
تسلسل الكتاب على المدونة: 456
التعليقات