الكتاب
استعد لمهن المستقبل
المؤلف
دار النشر
دار اليقين للنشر والتوزيع
الطبعة
(1) 2019
عدد الصفحات
276
النوع
ورقي
تاريخ القراءة
03/13/2020
التصنيف
الموضوع
مستقبل متفجر في وظائف غير اعتيادية
درجة التقييم

استعد لمهن المستقبل

في محاكاة لأدب الخيال العلمي .. يفجّر الكاتب رؤية فريدة من نوعها نحو مهن المستقبل القريب، في إطار واقعي لا تشوبه شطحات الفنتازيا بشيء، بل تقوم على فرضيات تكنولوجية مستجدّة على الساحة، يستعرضها الكاتب من خلال طرح فكري، واع ومميز.

كتاب لم يفكر معه كاتبه خارج الصندوق فحسب حين استقطب النشئ الجديد الموعود بمستقبل مغاير، بل وتحسّب لفكره التنبؤي، علمياً ومنهجياً وسلوكياً، مستهدفاً الأولياء في المقام الأول ومن بعدهم صناع القرار، قد جعل مطيته الحكمة القديمة القائلة: “لا تعلموا أولادكم عاداتكم فإنهم خُلقوا لزمان غير زمانكم”.

تتمحور فكرة الكتاب العامة حول (المستقبل المهني الرقمي) الذي ينتظر الأجيال القادمة، والذي سيشهد اندثار مهن قد كانت أس الحياة في زمن ما، وخلق أخرى لم تخطر على قلب بشر منهم آنذاك، فضلاً عن الاكتساح المبرمج في إدارة مرافق الحياة سواء عن طريق الإنسان الآلي، أو التقنيات التكنولوجية الذكية. وعلى الرغم من (زخرفة الحياة وزينتها) في هذا الإنجاز، يتصاعد هاجس البطالة، وضعف تقدير الذات، وهلع الغزو الآلي لكوكب الأرض، كأعراض جانبية لهذا الإنجاز.

“وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا” إذ نقرأ على صفحات الكتاب تحذير رجل الأعمال (إيلون موسك) مؤسس مصانع سيارة (تيسلا) حين قال: “الذكاء الاصطناعي قد يفتح الأبواب للشيطان”.

ومع هذا التوجه للوظائف الآلية، ينظر باحثو جامعة أكسفورد نحو المستقبل بتشاؤمية إذ ستُفقد نصف الوظائف الحالية في الولايات المتحدة الأمريكية خلال العقدين القادمين، بينما يتفاءل الاقتصاديون في جامعة بوستن بأن العالم يسير نحو خلق وظائف من نوع آخر.

في تفكير منهجي، يخلص الكاتب إلى (نبوءة الانفجار المهني) موضوع الكتاب، من خلال استعراض مراحل الثورات الصناعية الأربع التي شهدها كوكبنا، حيث ابتدأت الثورة الصناعية الأولى إبان القرن التاسع عشر، وقد طرأ على المجتمع الزراعي شيء من التطور حينها تزامناً مع صناعة الحديد. تلته الثورة الصناعية الثانية قبيل الحرب العالمية الأولى، إذ شهد المجتمع الصناعي آنذاك تطور أسرع نتج عن استخدام الطاقة الكهربائية. تعقبها الثورة الصناعية الثالثة والتي تمتد آثارها حتى يومنا هذا في عالم رقمي تكنولوجي متفجر الاتصالات، لتنتهي بالثورة الصناعية الرابعة، ولتشهد ولادة حقبة جديدة يديرها الروبوت، ويسودها الذكاء الصناعي، ويحكمها تكنولوجيا معقدة كالنانو وإنترنت الأشياء والطابعة ثلاثية الأبعاد.

يعرض فهرس الكتاب ثلاثة أبواب رئيسية، يتحدث الأول عن (التكنولوجيا) والتصور المستقبلي للمهن، والثاني عن (المهنة) والمهارات اللازمة ومؤثراتها وقواعدها، والثالث عن (السيرة الذاتية) وضرورة خلق الدمغة الشخصية. يتفرع عن كل منها مواضيع شتى ذات صلة، تثري قيمة الموضوع الرئيسي.

ومن الكتاب الذي حصد ثلاث نجمات من رصيد أنجمي الخماسي، أنقل ما علق في ذهني بعد قراءته، وباقتباس في نص واعد (مع كامل الاحترام لحقوق النشر) كما يلي:

  • (الذكاء الاصطناعي) كفرع لعلوم الحاسب الآلي يتميز بخصائص عدة، كأن يحاكي المنهج البشري في حل المعضلات، ويطرح أفكاراً تنمّي مهارة الإبداع، وقد يفيد في اختزال عدد الخبراء، كما أنه يمنع المشاعر السلبية المصاحبة للعمل.
  • (تقنية النانو) قد ” تُبْرِئُ الْأَكْمَهَ”، وقد تعمل على إخفاء حتى الجسم البشري، بل وستصنع ملابس باعثة للطاقة، وأجهزة اتصال ذات أسطح شفافة قابلة للطي … بل وأكثر من هذا، حيث “ظهرت في السنوات الأخيرة تطبيقات عديدة أخرى لتكنولوجيا النانو، من ذلك الملابس الذكية القادرة على إنتاج الطاقة أو إزالة الأوساخ والميكروبات ذاتيا، وزجاج طارد للأتربة وغير موصل للحرارة، وصناعة مواد ذات صلابة تفوق الفولاذ مع خفة وزنها، وابتكار شاشات مجسمة (ثلاثية الأبعاد) شفافة وقابلة للطي”.
  • مهنة (قيادة طائرة من غير طيار) تخدم أغراض عسكرية في المقام الأول، وأخرى فنية وإنتاجية واستكشافية. وأتساءل: لكن ماذا عن استهداف عناصر بشرية وتصفيتهم جسدياً باستخدام هذه التقنية؟ أهي محاولة لتشتيت المسئولية؟ أم إنها -كالعادة- وجه لسوء استخدام ما صنع البشر بإياديهم؟
  • (البيت الذكي) القادر على الإضاءة المبرمجة، و(السيارة الذكية) الواعية لما يلم بها من خلل، و(الأجهزة الملبوسة) كساعات سامسونج، و(التسوق) الأوتوماتيكي لما ينقص من مستلزمات… كل هذا يوفره (إنترنت الأشياء). غير أن التسوق في المتاجر والسعي بينها لهي متعة لا يضاهيها التسوق الإلكتروني.
  • (نظام بروسبكتر) يدحض توصيات الخبراء القائلة بعدم فاعلية استكشاف ترسبات إحدى المعادن الهامة في ولاية واشنطن، حيث تفوّق النظام في اكتشافات بلغت قيمتها نحو مائة مليون دولار أمريكي.
  • العامل الروبوتي يحلّ محل العامل البشري في بعض المهن التي تنطوي على عامل الخطورة أو المشقة، كتسلق الأعالي والتغلغل في الأعماق. قد يلغي هذا الإحلال (بدل طبيعة العمل)، لكن القلق البشري نحو إلغائه بالكلية وإحلال زميله الروبوتي سيشكل هاجساً لا يهدأ!.
  • الروبوت (جينجر) ذو الوجه الطفولي .. لديه من ردود الفعل البشرية والتلقائية ما يجعله مقرّباً من الإنسان صانعه. يبشّر المستقبل بخلق روبوتات ذات قدرة على استجابة بشرية أكبر، ومشاركة أكثر ودية في الاهتمامات والهوايات مع مستخدمها. صداقة الروبوت!.. هل ستكون أكثر إخلاصاً من نظرائها البشر؟
  • (الجراح الروبوتي) بأجهزته وتقنية العلاج عن بعد، تعكس مدى ازدهار القطاع الطبي والذي سيرفع من كفاءة المستوى الصحي بل ومعدل الأعمار، الأمر الذي سيعمل على زيادة الطلب في مقدمي الخدمات الطبية لمواجهة جحافل المعمرين. لذا: “من المتوقع في المستقبل القريب أن تقدم تقنية النانو حلولا ناجحة لتصحيح التلف الناتج في الأجهزة السمعية والبصرية والحسية في الإنسان، وذلك بزراعة أجهزة نانوية دقيقة داخل الجسم. فعلى سبيل المثال يعمل الباحثون الآن على زراعة غشاء نانوي في شبكية الأعمى لتحسين النظر لديه”. 
  • الروبوت سيكتسح لا محالة، لكنه لن يتفوق على بنو البشر في القيم الاجتماعية والعاطفية وكاريزما الإعلام والإنتاج الأدبي. وهل سيغلب الصفيح قلب ينبض وإن كان يقبع في قالب طيني؟
  • (سرعة الحفظ والاستيعاب، المهارات اللغوية، الربط بين الأفكار والموضوعات) كلها سمات معرفية للموهوب، بينما تأتي مهارات (تقدير الذات، قوة العاطفة، النزوع نحو المثالية) كسمات انفعالية له.
  • نقاط القوة تتضح من خلال المحاولة والخطأ والتكرار، والسعي الحثيث نحو تنمية الذات، وغربلة العلاقات للإبقاء على الحقيقي النافع منها ونبذ المزيف الضار بطبيعة الحال.
  • لبناء شخصية متميزة، لا بد من حسن إدارة الوقت بين تحديد واضح للأهداف والأولويات والحرص على الاستزادة من الخبرات المعرفية والعلمية. يأتي على رأس هذه الأساليب التسلح بالإيمان والتحلي بفضائل الأخلاق.
  • لكل منا ما يتميز به دون أقرانه، لذا يحرص الكاتب على أن يؤكد للقارئ بأن: “العلامة التجارية الشخصية هي قصة النجاح الخاصة بك المراد كتابتها”.

كتاب متعدد الفائدة، يُحسب له ما يلي:

  • لغة سهلة المرادفات والمعنى، تحمل القارئ ذو مهارات التصفح السريع على سبر الكتاب في نحو أربع ساعات متواصلة، من غير كلل أو ملل.
  • يجمع بين متعة الموضوعات، وأسلوب العرض السلس عموماً، والأشبه بالبحث العلمي في بعض جوانبه.
  • يتعرض للمعنى اللغوي لبعض المصطلحات المتداولة ذات الصلة بموضوع الكتاب، وآراء الباحثين المختلفة عنها. على سبيل المثال: مفهوم النبوغ، والموهبة اصطلاحاً، والفرق اللغوي بين المهنة والوظيفة.
  • يستعرض عدد من الكتب والشخصيات البارزة ذات الصلة، مما يثير فضول القارئ النهم للمعرفة نحو مزيد من البحث عبر شبكة المعلومات.
  • يعرض الكتاب في خاتمته قائمة تضم عدد مائة وستون وظيفة مستقبلية، منها ما يثير الدهشة!.. مثل: معالج بيانات مهدرة، اختصاصي مدن غارقة، فني طاقة الرياح، جراح عن بعد، مستشار جينات، متوقع زلازل، فني بناء ذكاء، خياط رقمي، محامي واقع افتراضي، طبيب فضاء، موازن جراثيم، مستشار عملة رقمية …. الخ. لا يمنع هذا السيل من المهن، ذوي الاستشراف المستقبلي -كمؤلف الكتاب- من التنبؤ لواقع خارج المألوف، ومن إطلاق العنان لخلق مهنة المستقبل، بل والإعداد المبكر لها.

على الرغم مما سبق، يؤخذ على الكتاب ما يلي:

  • يشوب الكتاب شيء من التكرار لا سيما في الطرح الإنشائي للموضوعات، وعلى سبيل المثال: موضوع (العلامة التجارية الشخصية) و (موقع لينكد إن).
  • جاءت أسماء بعض الشخصيات ذات الصلة بالمواضيع المطروحة نكرة، من غير تعريف مبسط عن التخصص أو المهنة أو الإنجاز ، مثل: توم ستانداج، تيرمان، مارتن فورد.
  • على الرغم من الطبعة المزدانة بصور إيضاحية، جاءت بعض الصور لا تمت للموضوع المطروح بصلة.
  • على عكس الكتب التقليدية ذات الإطار المستطيل، جاء الكتاب في إطار مربع، مما قد يربك القارئ -والشغوف بالتحديد- في حمل الكتاب بين يديه، فيضطر لتمديده فوق طاولة والإنحناء فوقه شيئاً ما.
  • تكررت كلمة (أتمتة) على صفحات الكتاب، وهي كلمة أعجمية معربة مفادها (استخدام الحاسوب والبرمجيات بأنواعها لإدارة مرافق الحياة بآلية). من المستحسن استخدام لفظ عربي للدلالة على المعنى.
  • تعرض صفحتي 20 و21 من الكتاب عدد من أسماء الشخصيات باللغة الإنجليزية فقط. من المستحسن محاذاة الأسماء باللغة العربية كما هو الحال في الكتاب عموماً.
  • تتطرق صفحة 57 إلى (الأدوات المهمة لمهن المستقبل) وهي أربعة أدوات مسترسلة على عدة صفحات. تمت ترجمة كل أداة إلى اللغة الإنجليزية ما عدا الأولى (النبوغ)، والرابعة (الإبداع).
  • تشير صفحة 76 إلى بحث نُشر في المنتدى الاقتصادي العالمي. يا حبذا الإشارة له في صفحة المراجع.
  • تتحدث صفحة 87 عن روبوت أنثوي (كوكو)، وتبدأ بعبارة (أثار) ثم تسترسل لتصل إلى منتصف العبارة بكلمة (لفتت). الجملة بحاجة إلى إعادة صياغة.
  • تتكرر في صفحة 172 كلمة (جروب). من المستحسن تعريبها إلى كلمة (مجموعة).
  • يبدأ موضوع (السيرة الذاتية) مع صفحة 173 وتنتهي عند صفحة 188، إلا أن آخر صفحتين من الكتاب وهما (267 و 268) تتطرقان إلى قوالب السيرة الذاتية. قد يرد هذا لخطأ ما أثناء الطباعة وترتيب الصفحات، فمن المستحسن إعادة مراجعة التصنيف والترتيب.
  • لم يكن من الضروري التوسع في موضوع (الدراسة في الخارج) وعرض نماذج لدول تستقطب الطلاب مع سرد البيانات المتعلقة بها بشكل تفصيلي، حيث إن المواقع الرسمية لتلك الدول تغطي كافة البيانات اللازمة بل وتقوم بتحديثها باستمرار. ينسحب هذا المأخذ على العرض الخاص بموقع (لينكد إن). كان من الأجدى استغلال مساحة الكتاب في موضوعات أكثر أهمية من مجرد سرد بيانات متوفرة على شبكة المعلومات.
  • يعرض موضوع (اختبار المهنة) نموذجين ذات أسئلة بخيارات متعددة. لم يوضح الكتاب الهدف من عرضهما! أهما للعلم بكيفية تحديد الميول أو للتقييم أو لاختيار المهنة المناسبة؟. كما أن الكتاب لم يعرض التقنية التي من خلالها سيحصل القارئ على نتيجة إجابته للنموذج المرفق، لا سيما الأول.

ومن الأخطاء المطبعية التي يجب تداركها في الطبعات القادمة ما يلي:

  • صفحة 5: وهذه الابتكارات …. (سيستمر) في تغيير. الصحيح: ستستمر.
  • صفحة 5: وسوف (تتغير) مجرى حياة. الصحيح: يتغير.
  • صفحة 10: الروبورت. الصحيح: الروبوت.
  • صفحة 36: وجميع (المخلوفات). الصحيح: المخلوقات.
  • صفحة 90: أن التطور (التكنولوجيا) يمثل تهديداً. الصحيح: التكنولوجي.

ختاماً، أجد في الكتاب -الذي أهدانيه الكاتب- من عصارة الخبرة الشخصية ما يجعلها ذات نفع للآخرين، ورغم أني أملك شغف للقراءة كبير، إلا أنني لم أطلع على هذا الفرع من علوم الحياة من ذي قبل، وقد كانت تجربة جيدة في حد ذاتها.

 

= = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = =

من الذاكرة: جاء تسلسل الكتاب (13) في قائمة ضمت (105) كتاب قرأتهم في عام 2020، رغم أن العدد الذي جعلته موضع تحدي للعام كان (100) كتاب فقط!

لقد كان 2020 عام الوباء الذي جاء من أعراضه الجانبية (ملازمة الدار وقراءة أكثر من مائة كتاب)! لم يكن عاماً عادياً وحسب .. بل كان عاماً مليئاً بالكمامات والكتب. وفي هذا العام، دأبت على تدوين بعض من يوميات القراءة .. وعن هذا الكتاب، فقد قرأته في شهر (مارس)، والذي كان من فعالياته كما دوّنت حينها: ويبدأ الحجر الصحي فعلياً .. إن الوباء حقيقة وواقع معاش“.

تسلسل الكتاب على المدونة: 97

 

تاريخ النشر: ديسمبر 9, 2021

عدد القراءات:851 قراءة

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *