الكتاب
إله التوحش: التكفير والسياسة الوهابية
المؤلف
دار النشر
مركز أوال للدراسات والتوثيق
الطبعة
(1) 2017
عدد الصفحات
231
النوع
ورقي
تاريخ القراءة
07/15/2020
التصنيف
الموضوع
العبث في الدين الخاتم
درجة التقييم

إله التوحش: التكفير والسياسة الوهابية

أصبحت المواطنة الوهابية صك بموجبه يحقن المسلم دمه وماله في شرع إله التوحش .. الشرع الذي يقرّ بأن المسلم كافر حتى تُثبت وهابيته، والإله الذي خلقه ابن عبدالوهاب ضمن حلف سياسي-عقائدي عقده مع ابن سعود، حين التقت مصالحهما في منتصف القرن الثامن عشر الميلادي .. القرن الذي أشرق فيه عصر التنوير على أوروبا قاطبة، بينما ارتدت الظلمات في غياهب شبه جزيرة الصحراء.

كتاب يضعه الناقد والباحث البحريني/ علي الديري، الحاصل على درجة الماجستير في (قوانين تفسير الخطاب عند ابن حزم الأندلسي)، وعلى درجة الدكتوراه في (مجازات الجسد عند إخوان الصفاء وابن عربي)، ينتقد فيه بموضوعية كتاب (التوحيد) لصاحبه المذكور، والكتابين المؤرخين لسيرة الحلف المذكور، والذي يحاول أن يحاكي بغباء سيرة الدعوة المحمدية .. غباءً لا ينطلي سوى على ذوي الجهالة!.

قد يشوب الكتاب بعض الآراء المردود عليها من ناحية عقائدية، فالإخلاص في توحيد الله على درجة عالية من الحساسية لا يجوز خدشه! لا عن طريق التبرّك بالقبور والأضرحة، ولا الدعاء لغير الله، ولا يغيرها من صور الشرك .. غير أن ذلك لا يوجب بالضرورة وصم المؤمنين بالكفر وإباحة الدماء بناءً عليه!.

يتعرّض الكاتب إلى هذه القضية -التي يحيطها سياج من دماء- من خلال أربع فصول رئيسية، يتفرّع عنها عدد من الموضوعات ذات الصلة .. ينال معها الكتاب ثلاث نجمات من رصيد أنجمي الخماسي، هي:

  • الفصل الأول: سيرة رجل الدعوة ورجل الدولة
  • الفصل الثاني: لا إله إلا الله: صراح الوهابية والفرق .. عنف الاستثناء
  • الفصل الثالث: الغربة والهجرة والجهاد
  • الفصل الرابع: نواقض الإسلام: الاستثناء المستحيل

يقارب الكاتب في أوجه الشبه بين سيرة محمد بن عبدالوهاب وسيرة محمد بن عبدالله ﷺ، مستعيناً بتاريخ ابن غنام الذي وضعه عالم الدين والمؤرخ والشاعر النجدي حسين بن غنام في كتابين، هما: (روضة الأفكار والأفهام لمرتاد حال الإمام وتعدد غزوات ذوي الإسلام) و (الغزوات البيانية والفتوحات الربانية)، وبكتاب (عنوان المجد في تاريخ نجد) لابن بشر. وعلى طريقة رؤوس الأقلام، أعرض لهذه المقاربة في الأسطر التالية، وباقتباس في نص ظلامي (مع كامل الاحترام لحقوق النشر):

  • حال الناس قبل دعوته: تصوير الناس في مظهر أقرب منه إلى الكفر، قبل دعوة محمد بن عبدالوهاب.
  • عقيدة القوم المنحرفة قبل دعوته: تصوير أهل نجد كقوم لديهم فقه لكن تنقصهم العقيدة. يقول الكاتب: “إن علماء نجد طوال فترة المائتي سنة تقريباً التي سبقت دعوة محمد بن عبدالوهاب، لم يكونوا بحسب قوله يعرفون معنى التوحيد أو معنى لا إله الا الله، فهم قد انشغلوا بالمعرفة الفقهية، وجهلوا المعرفة العقيدية (الإيمانية)، فعاش المجتمع النجدي جاهلية الشرك. وبهذا يبرر محمد بن عبدالوهاب جدة دعوته، فهي جديدة على معرفة هؤلاء العلماء، وعلى هذا المجتمع الذي لم يعرف التوحيد”.
  • الوحي: تلقي محمد بن عبدالوهاب إلهاماً من الله في شرح ملة التوحيد. يقتبس الكاتب من مصدر ابن بشر قوله: “فقرأ الشيخ على أبيه في الفقه، وكان رحمه الله في صغره كثير المطالعة في كتب التفسير والحديث وكلام العلماء في أصل الإسلام، فشرح الله صدره في معرفة التوحيد وتحقيقه ومعرفة نواقضه المضلة عن طريقه”. ثم يعقّب الكاتب قائلاً: “إن عبارة ابن بشر دقيقة في توضيح أنه لم يتعلم التوحيد، بل شرح الله قلبه له. وهي عبارة توضح أنه لم يتعلمه من أحد من علماء نجد، «فقد شرح الله قلبه للتوحيد في مرحلة مبكرة»، حتى إنه لم يكن لأبيه فضل في هذه المعرفة. والأكثر من ذلك أن ابن بشر يقول: «إنه حقق معنى التوحيد وعرف نواقضه بنفسه». هكذا تسجل السيرة انقطاعاً في معرفة التوحيد، فليس هناك مصدر في نجد أخذ عنه محمد بن عبدالوهاب مفهوم التوحيد، وهذا ما يعطي لدعوته طابعاً استثنائيا وإلهاميا، فكأن التوحيد نزل عليه وحياً”.
  • الهجرة: خروجه من مدينته العيينة إلى نجد وما اكتنفها من اغتراب ومصاعب، على غرار الهجرة إلى الحبشة والطائف. يصف الكاتب الوضع آنذاك قائلاً: “إنها لحظات تذكرنا بهجرة بعض المسلمين إلى الحبشة وهجرة النبي (ص) إلى الطائف وما واجهه مـن صعوبات. إن الدعوة الوهابية في مجمل تاريخها تريد أن توحي بالتلميح أو بالتصريح أنها قد مرت بالمراحل التي مرت بها الدعوة المحمدية، وأنها بهذا التطابق تمثل فعلاً الإسلام السلفي الحقيقي، أي إسلام النبوة والسلف والغربة الأولى وإسلام القرون الثلاثة الأولى، وهذا ما يعزز من صحتها وأحقيتها”.
  • التصديق الأولي: إقرار والد وأساتذة محمد بن عبدالوهاب بدعوته، والإقبال عليه للتعلم.
  • الدعوة سراً: اجتماعه مع بعض أفراد القوم سراً ليبثهم أخبار دعوته. يقول الكاتب: “يقال كان هناك مجموعة من التلاميذ الخلّص يلتقون مع محمد بن عبدالوهاب في حلقة درس خاصة حول التوحيد، كان يشرح لهم التوحيد الغريب ويقره لهم، بمعنى أنه يقرر لهم مفهوم التوحيد الصحيح، ويثبته في قلوبهم ومن خلال هذا التثبيت، يكون أنصاره الخلص”.
  • تعنت القوم والعناء في نشر الدعوة: إخراجه من مدينة البصرة بعد رفض دعوته واضطهاده، على غرار سير الأنبياء.
  • رفض الدعوة: سخرية القوم منه ونعته بالجاهل والساحر. وفي هذا، يقتبس الكاتب من المصادر المذكورة، الآتي: “ثم إن الشيخ كاتب أهل البلدان بذلك رؤسائهم وقضاتهم، فمنهم من قبل واتبع الحق، ومنهم من اتخذه سخرياً، واستهزأوا به ونسبوه إلى الجهل وعدم المعرفة، ومنهم من نسبه إلى السحر ومنهم من رماه بأشياء هو بريء منها”.
  • المؤازرة الأولية: إلقاء محبته في قلوب الناس، لا سيما امرأة محمد ابن سعود في مدينة الدرعية “وكانت المرأة ذات عقل ودين ومعرفة” .. في محاكاة لشخصية السيدة خديجة رضي الله عنها. حيث: “تمضي قصة هجرة شيخ الدعوة إلى لحظة وصول (دعوة التوحيد) إلى زوجة محمد بن سعود، موضي آل كثير، فتستحسنها، ويقرّ حب معرفة التوحيد في قلبها”. فيبدأ دورها، حيث تخبر زوجها بمكان الشيخ وتحضه قائلة: “إن هذا الرجل ساقه الله إليك وهو غنيمة فاغتنم ما خصك الله به”. إذاً لم يكن حباً عادياً، حيث “سيكون هذا الحب بداية تحول في سيرة الدعوة والغربة، نحو الاستقرار وتحقيق مجتمع الهجرة والألفة”. يستقبل ابن سعود ابن عبدالوهاب “ويشرح له دعوته، فيعجب بها، فيشرح الله قلبه للدعوة والتوحيد، فيقرّ التوحيد في قلبه «فقذف الله في قلب محمد محبة الشيخ ومحبة ما دعا إليه، وجعل يشرح له الإسلام، فلما شرح الله قلب محمد بن سعود لذلك وتقرر عنده، طلب من الشيخ المبايعة على ذلك، فبايع الشيخ على ذلك”.
  • المبايعة: يبايع ابن سعود ابن عبدالوهاب على “الدم بالدم والهدم بالهدم” على غرار بيعة العقبة الثانية!. بيد أن هذا الاتفاق الذي بدى بسيطاً بساطة كلمات شفاهية، يشكّل نقطة فاصلة، إذ: “لم يكن اتفاق الدرعية في هذا اللقاء أكثر من حديث شفوي متعهداً عليه بمعادلة «الدم بالدم». لكنه غدا نقطة تحول في تغريب التوحيد، فالتوحيد بعد هذا الاتفاق سيصبح عقيدة الجماعة المهاجرة الغريبة إلى الدرعية .. سيخرج من كتاب التوحيد ويصير له دولة، لكن ذلك لن يزيده إلا تغريباً، بمعنى أن التوحيد سيتحول إلى مؤسسة دينية ونظام ضبط لأعمال العباد ومعتقداتهم، وعقيدة تفرض على الآخرين الانصياع والقبول والطاعة! سيفرغ التوحيد أكثر من شحناته الروحية الدينية التي تقرب بين الخالق وخلقه وتشبع ظمأ الخلق الوجودي للرحمة وأسرارها، وسيأخذ طابع الأيديولوجيا المفروضة على الجميع التي يردد الأتباع تعاليمها، من دون أن تقرّ في وجدانهم وتعرفهم على أنفسهم”.
  • الولاء والبراء: على الطريقة الوهابية.
  • الدعوة جهراً: من خلال إرسال الرسائل للأقوام. يوضح الكاتب ذلك من خلال قوله: “لقد كوّن الشيخ جماعته التوحيدية، وسيعمد إلى تعميم دعوته التوحيدية على نجد، فبدأ بإرسال الرسائل كما فعل النبي (ص) لإلقاء الحجة الشرعية على من لم تصله الدعوة”.
  • قلب الدعوة: تصبح مدينة الدرعية دار الإسلام. فعلى غرار مسجد النبي الذي يقع بيته في جواره، يوضح الكاتب “أن مسجد الشيخ محمد بن عبدالوهاب ومدرسته، شكّلا في خارطة الدرعية المركز الروحي الذي كان يغذي المهاجرين بعقيدة التوحيد”.
  • الإقبال: اتساع دائرة المهاجرين وتقسيم مدينة الدرعية لتسعهم، على غرار حياة المهاجرين والأنصار في المدينة المنورة. ينقل الكاتب من المصادر المذكورة الآتي: “فلما استقر في قلوبهم معرفة التوحيد وضده بعد الجهالة، أشرب حب الشيخ في قلوبهم وأحبوا المهاجرين إليهم وآووهم”. ثم يوضح قائلاً: “تعني (أشرب) هنا تشبع وألف بعد أن كان غريبا وغير معتاد، وهذا هو غرض الهجرة .. الارتواء من التوحيد الغريب، لتكوين أخوة إيمانية مشتركة من المشرب ذاته. بهذا يتولد مجتمع الأخوة الجديد الذي أطلق عليه فيما بعد (إخوان من أطاع الله)”.
  • الجهاد: في أول غزوة يشنّها على بعض الأعراب ممن “عادى أهل التوحيد وسبّه وسبّ أهله”، فغنم هو وأتباعه وعادوا.

يفرد الكاتب قائمة للمصادر والمراجع الأخرى التي استمد منها مادة كتابه، وقد أثار بعض منها انتباهي حيث أرجو الحصول عليها قريباً، هي:

الوهابية بتقارير القنصلية الفرنسية في بغداد – المؤلف: علي الوردي / الوهابية بين الشرك وتصدع القبيلة – المؤلف: خالد الدخيل / الدرر السنية في الرد على الوهابية – المؤلف: أحمد زيني دحلان/ نحو تاريخ مقارن للأديان التوحيدية – المؤلف: محمد أركون / الاغتراب في الثقافة العربية – المؤلف: د. حليم بركات/ الاغتراب الديني عند فيورباخ – المؤلف: حسن حنفي.

كما أن الكاتب في إشارته إلى كتاب محمد بن عبدالوهاب (كتاب التوحيد الذي هو حق الله على العبيد)، قد دفعني إلى قراءته بعد أن أجلته كثيراً، حيث تحظى مكتبتي بنسخة قديمة جداً منه تعود في الأصل إلى مكتبة العائلة .. وهي نسخة على ما يبدو قد تم نشرها قبل مقدمي للحياة!.

وبالإضافة إلى هذا الكتاب، فللمؤلف كتاباً آخر على مكتبتي بعنوان (نصوص متوحشة: التكفير من أرثوذكسية السلاجقة إلى سلفية ابن تيمية). أما عن هذا التصنيف من الكتب ذات الطابع الجدلي والتي تتناول الدين بالنقد، والسجال حول ما يحوطه من شبهات وردود، فعلى مكتبتي منها الكثير، منها: الصحوة في ميزان الإسلام: وعاظ يحكمون عقول السعوديين – المؤلف: علي الرباعي / نقد الخطاب السلفي: ابن تيمية نموذجاً – المؤلف: رائد السمهوري / مهزلة العقل الديني: يا أمة ضحكت – المؤلف: حسين الجبوري / السلفية والتنوير – المؤلف: محمد المحمود / اغتيال العقل: محنة الثقافة العربية بين السلفية والتبعية – المؤلف: برهان غليون / الإسلام والانغلاق اللاهوتي – المؤلف: هاشم صالح / نقد الخطاب الديني – المؤلف: د. نصر حامد أبو زيد / محنة ثقافة مزورة – المؤلف: الصادق النيهوم / الخوف من الحداثة: الديمقراطية الإسلام – المؤلفة: فاطمة المرنيسي / حقول الدم: الدين وتاريخ العنف – المؤلفة: كارن آرمسترونج / جناية قبيلة حدثنا – المؤلف: جمال البنا / صحيح البخاري: نهاية أسطورة – المؤلف: رشيد أيلال / (جناية البخاري: انقاذ الدين من امام المحدثين / جناية الشافعي: تخليص الأمة من فقه الأئمة) – المؤلف: زكريا اوزون / (حيرة مسلمة: في الميراث والزواج والجنسية المثلية / ناقصات عقل ودين: فصول في حديث الرسول / شوق: قراءة في أركان الإسلام / والله أعلم: مساءل خلافية في الأحكام الدينية) – المؤلفة: د. ألفة يوسف

ختاماً، تبقى دعوى الفيلسوف الألماني كارل ماركس (الدين أفيون الشعوب) على درجة من الواقعية، حيث لا يزال يتردد صداها بين بني البشر على اختلاف مذاهبهم ومشاربهم .. فمتى ما عاث المحرّفون في العقيدة تحريفاً وتبديلاً عمّا أراد الله لها، فقدت وظيفتها الروحية، وأصبح لها مفعول المخدر الذي يخفف من معاناة البشر في تقديم وعوداً وأوهاماً بحياة أخروية، تُذهلهم عن مواجهة واقعهم في الحياة الدنيا.

 

= = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = =

من الذاكرة: جاء تسلسل الكتاب (60) في قائمة احتوت على (105) كتاب قرأتهم عام 2020 تتضمن تسعة كتب لم أتم قراءتها، على الرغم من أن العدد الذي جعلته في موضع تحدٍ للعام كان (100) كتاب فقط! وهو ثامن كتاب اقرؤه في شهر يوليو من بين اثنا عشرة كتاب .. وقد حصلت عليه من متجر جملون الإلكتروني للكتب في ديسمبر عام 2019، ضمن (35) كتاب تقريباً كانوا حصيلة مشترياتي من تلك الشحنة.

لقد كان 2020 عام الوباء الذي جاء من أعراضه الجانبية (ملازمة الدار وقراءة أكثر من مائة كتاب)! لم يكن عاماً عادياً وحسب .. بل كان عاماً مليئاً بالكمامات والكتب.

وفي هذا العام، دأبت على كتابة بعض من يوميات القراءة .. وعن هذا الكتاب، فقد قرأته في شهر (يوليو)، والذي كان من فعالياته كما دوّنت حينها:

لا يزال الوقت حافلاً بالقراءة وإعداد مراجعات الكتب المقروءة .. ولا يزال الحجر الصحي مستمراً“.

ومن فعاليات الشهر كذلك: كنت قد استغرقت في القراءة بشكل مهووس خلال النصف الأول من هذا العام دون أي فاصل يُذكر، رغم الوقت الذي استقطعه عادة بعد قراءة كل كتاب من أجل تدوين مراجعة عنه! ما حدث في تلك الفترة هو تراكم الكتب التي أنهيت قراءتها من غير تدوين، حتى قررت على مضض بتعطيل القراءة لصالح التدوين .. وأقول “على مضض” لأن القراءة المسترسلة من غير انقطاع بالنسبة لي هي أشبه بالحلم الجميل الذي لا أودّ أن أستفيق منه، لكنني تمكّنت من تخصيص وقتاً جيداً في نهاية هذا الشهر لتأدية عمل الأمس الذي أجلّته للغد.

تسلسل الكتاب على المدونة: 239

تاريخ النشر: يونيو 10, 2022

عدد القراءات:526 قراءة

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *