على الرغم من مرور أكثر من عقدين من الزمان على صدور كتاب (إسرائيل النازية ولغة المحرقة) للمفكر الراحل د. مصطفى محمود، إلا أن الأحداث التي عرض لها لا تختلف عن دموية الأحداث الدائرة في طوفان الأقصى منذ شهور مضت، إن لم تكن الأخيرة أشد بطشاً وأثقل وطأة في التخاذل والهوان وقلة الحيلة!
ومن الكتاب الذي جاء في إحدى وعشرين مقالة -استقطعت اثنتان من رصيد أنجمي الخماسي- أدون مقتطفات فيما يلي، وباقتباس في نص حارق (مع كامل الاحترام لحقوق النشر):
- يبدأ المفكر بمقالة (النبوءة) التي شهدت صعود ظاهرة عالمية يُطلق عليها (الإسلام)، من بنوك واستثمار وأزياء وصحافة، إضافة إلى الجهاد كما في أفغانستان والشيشان وإيران وجنوب لبنان، والتي تقرأ ظهور ثانٍ للإسلام يحشد القوى لمواجهة الظهور الثاني لدولة إسرائيل، كما في وعد الآخرة القرآني، وذلك بعد أن يزيل ما تبقى من “الأراجوزات الكبار” ويلحم الجبهة العربية بعد طول تمزق وفرقة. ذلك الصعود الثاني والتئام الجبهة العربية هو أخشى ما تخشاه إسرائيل الذي ستفتعل ضده الحروب وستخلق الصدام العسكري مستعينة بالتأييد الأمريكي، غير أن المفكّر يتنبأ في مقالة (إنهم يلعبون بالنار) لهذا التأييد بالتلاشي مستعيناً من جديد بالقرآن الكريم. فليست أمريكا سوى (عاد الثانية) التي سيجري عليها ما جرى على (عاد الأولى) وقد جاء في وصف الأولى من اتخاذ مصانع بغية الخلود وفي جبروت البطش، ما يتطابق ووصف الثانية.. وكأن في عدّها بـ (أولى) إشارة من القرآن الكريم في إتباعها بـ (ثانية)! يقول المفكّر: “وذلك لغز آخر يجلوه القرآن في إشارة عابرة يصف فيها قوم عاد بأنها عاد الأولى. والمعنى أنه ستكون هناك عاد ثانية .. دولة عملاقة تتعملق في صناعاتها كما تعملقت عاد الأولى، هي أمريكا .. ثم يجري عليها حاصد الفناء فيأتي عليها ربنا من القواعد. والمعنى المهموس بين السطور .. أن أمريكا لن تظل أمريكا”.
- وهو لا يزال في نبوءته، ينبّه المفكّر على أن النقلة المطلوبة للإسلام الجديد وهو ينبثق من ظروف طاحنة حاملاً معه ثراء الأمس، تتطلب “زعامات مرنة وعقول متطورة ومعارف موسوعية”. فيقول قولاً جريئاً بليغاً: “أن العقول المتحجرة الموجودة التي ما زالت تدور في فقه الحيض والنفاس وشروط الاستنجاء، لا تعبر عن جوهر الإسلام ولا عن سعته ولا عن عالميته، وإنما هي حبيسة دهاليز فقهية عتيقة أدخلت الإسلام في حارة سد وقضت على حيويته ومرونته .. وعلى من يريد أن يخرج بالإسلام إلى العالم أن يخرج به من هذه الدهاليز ويتحرر من هذه الزنزانة ويحطم هذه القيود ويجلو الصدأ الذي ران على العقول، ليتألق من جديد صفاء التوحيد وجلال وعمق كلمة لا إله إلا الله”. ويختم بالأسباب التي تمدها يد الله، وبالمسلمين الذي يسألونه المعجزات في المقابل! فيقول: “هذا درس قديم جداً جاء به القرآن من ألف وأربعمائة عام .. وقد نسيناه تماماً في نكسة الجمود وفى ضوضاء المشاجرات على الحجاب والنقاب واللحية وتقصير الثوب وفقه الحيض والنفاس، وجاء الوقت الذي نعي فيه الدرس ونذكره جيداً، لتتحقق النبوءة وينفتح الباب السحري ويبدأ التحول الكبير. ثم إن الإسلام احتضن المسيحية في عباءته .. فتزوج نبينا مريم القبطية، وآوى النجاشي المسلمين الفارين الأوائل، وصلى عمرو بن العاص في كنيسة بيت المقدس، ونزل في عيسى قرآن يتلى يقول إنه كلمة الله وروح منه. وليس مسلماً من يثير فتنة طائفية أو يضطهد ذميا كتابياً، ولن ينجح إلا مسلمو المودة والمحبة والوحدة، ولن يفوز إلا علماء بالدين وبالعصر، وهؤلاء هم المسلمون الموعودون بالنبوءة. وأبشروا فقد اقترب زمان البشارة، ولا تبتئسوا في جحافل الظلمة فإن الفجر لا يطلع إلا بعد ليل”.
- يتبع المفكر نبوءته بمقالة (النازية الجديدة) التي بها يوصم إسرائيل وغلوها، وإن غاب عنها هتلر! فالفرق كبير بين جنود الصاعقة الألمان وأندادهم من اليهود، “وهو فرق بين شجاعة وجبن.. وبين صمود وفرار.. وبين ثبات وانهيار.. وبين إيمان وكفر”، وعليها ستأتي النتائج كمفارقة أكبر، والموعد هو التاريخ كله، وإن مأساة إسرائيل قد بدأت أولى فصولها وستتوالى! غير أن المفكّر يحذر في مقالة (المختصر المفيد) من “اختصار التاريخ” الذي ستهرول إليه إسرائيل! حيث سيستمر العرب في الاستماع إلى خبر عقد قمة أو على وشك عقدها أو بتأجيلها على أمل عقد أفضل منها، في الوقت الذي تحشد فيه إسرائيل ترسانتها العسكرية وصواريخها النووية، وتعمل على تحقيق مرادها عن طريق التركيع إن لم يُجدِ التطبيع.. وقد عني بالمختصر المفيد، هذه السياسة في التعقيد والتأييد، وأسلوب حل المشاكل بإقحام العرب في مزيد منها، “واختصار المراحل باستئصال الأوائل والأواخر”.
- وكم كانت مفارقة أن يأتي المفكر في مقالة (نداء إلى الكل) على موقف التلفزيون البريطاني المندد بسياسة إسرائيل ضد المواطنين العرب الذين يعيشون داخل الكيان اليهودي، ووصفها بالعنصرية، وهو يستعرض تقريراً يفضح مظاهر العزل العنصري في اعتبار أولئك العرب مواطنين من الدرجة الثانية، إضافة إلى حادثة إطلاق النار على متظاهرين مؤيدين للانتفاضة، وحادثة قتل اثنى عشر شاباً في عملية وحشية، وهدم البيوت بالمدافع على رؤوس ساكنيها “بما أعاد للأذهان جرائم التمييز العنصري في جنوب أفريقيا، وقد اشتعلت المظاهرات في جنوب أفريقيا ذاتها تنادي بنجدة أهل غزة والخليل ودمغت إسرائيل بالعنصرية في مؤتمر ديربان”. ثم يذهب المفكر إلى أبعد من مجرد التغيير الديموغرافي المتمثّل في التطهير العرقي في فلسطين وحدها، وهو يتطرّق إلى خطط إسرائيل المستقبلية في تجريد العرب من كل أشكال القوة لا سيما السلاح والثروة والموارد، وقد عدّت تلك القوة خطر آخذ في الاتساع ليشمل مستقبل الفكر والفلسفة والعقيدة والفن والتاريخ. يقول المفكّر: “إن الحكاية أكبر بكثير من تغيير الجغرافيا في فلسطين، وهي أكبر بكثير من تشريد الفلسطينيين! فهي تهدف إلى تشريد كل العرب واقتلاعهم واقتلاع ديانتهم واقتلاع سيادتهم من المنطقة ومن الأرض ومن التاريخ قاطبة”.
- يعود المفكّر من جديد لإسرائيل وأمريكا ليربط بينهما في مقالة (العولمة: الصنم الجديد)، فمن النظام العالمي الجديد وصندوق النقد الدولي إلى اقتصاد السوق، تم تنصيب “آلهة آخر الزمان” التي سنّت العقلية الاستعمارية وشرعنت السيطرة على مقدّرات الأمم باسم (العولمة)، فما يحدث من تخطيط أمريكي ظاهراً هو صهيوني في حقيقته، وما الأيدي في داخل القفاز التي تحرّك الآلة في الظاهر سوى صهيونية، وما ذلك المعبد العولمي بطقوسه وتراتيله سوى صنعة يهود، وإن النظام العالمي الجديد الذي وضعه (عصبة روتشيلد) وصكّوا وسمه على ورقة الدولار الأمريكي، مع الهرم الماسوني والعين التي ترى .. هو امتداد لتآمر اليهود على العالم منذ مئات السنين، وقد وضع بروتوكولاته حكمائهم، مرجعهم فيه كتابهم الجامع (التلمود)! وعندما ينتقل المفكّر إلى مقالة (الكلمة الأخيرة)، يتعرّض إلى شيء من خبائث تلك البروتوكولات! فبينما يخطط الثاني منها إلى إغراق البشر في مستنقع الفساد الأخلاقي، يسعى السادس إلى رفع أسعار حاجياتهم الضرورية، في حين ينشر السابع الأحقاد بينهم ويصنع الثورات، ويعمد التاسع إلى القبض على زمام التعليم وضخ المبادئ الماسونية في مقرراته مع نشر الإرهاب والآراء المتطرفة. أما العاشر فيستغل الفضائح وهو ينشر الأوبئة والأمراض، في حين يتسلّط الثاني عشر على وسائل الإعلام وعلى وكالات الأنباء فيروّج للأكاذيب ويختلق الإثارة. وبينما يدعو الرابع عشر إلى نشر الأدب الإباحي، يستعمل الخامس عشر السلطات المستبدة فيصمم الانقلابات والثورات، بينما يجنّد السابع عشر ثلث الشعب للتجسس على الثلثين، في حين يحرّض الثامن عشر على الاعتقال لأقل شبهة، وأخطرها “الويل والاغتيالات لمن لا ينفذ تعليماتنا، والقتل لمن يبوح بأسرارنا”.
ختاماً، ومع أحداث الليلة التي جاءت تحاكي أحداث البارحة، فإن المفكّر الراحل لا يزال حاضراً بما حباه الله من ملكة فكرية وصدق في المنهج وإخلاص لما يعتنق، ما جعل من كتابه هذا كفيلاً لتذكير المؤمنين.
مراجعة الكتاب منشورة على (جريدة الشرق) و (موقع نبض)
= = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = =
نقلاً عن المفكرة: جاء تسلسل الكتاب (13) ضمن قائمة لا تنتهي من الكتب التي خصصتها لعام 2024، والذي أرجو أن يكون استثنائياً بحق في جودة الكتب التي سأحظى بقراءتها فيه، وهو الكتاب (1) في شهر فبراير. أما عن اقتنائه، فقد كان مع بدايات إصداره ضمن مجموعة كبيرة من إصدارات المفكر التي قرأتها حينها، وهي تزدان بأوراق صفراء باهتة ازدادت اصفراراً حتى اللحظة.
ومن مكتبتي، أعرض بعض من كتب المفكر: على حافة الزلزال / على خط النار / جهنم الصغرى / ألعاب السيرك السياسي / عالم الأسرار / حقيقة البهائية / لغز الحياة / لغز الموت / الإسلام السياسي والمعركة القادمة / الشفاعة: محاولة لفهم الخلاف القديم بين المؤيدين والمعارضين / علم نفس قرآني جديد / القرآن كائن حي / المؤامرة الكبرى / على حافة الانتحار / عظماء الدنيا وعظماء الآخرة / الذين ضحكوا حتى البكاء / ماذا وراء بوابة الموت؟ / الخروج من التابوت / لماذا رفضت الماركسية؟ / نقطة الغليان / أيها السادة اخلعوا الأقنعة / رأيت الله
من فعاليات الشهر: لا شيء جديد سوى أنني التقطت هذا الكتاب تحديداً في هذا الوقت الذي لا يزال يشهد أحداث طوفان الأقصى الدامية .. منذ أكتوبر الماضي!.
ولا زلت أترقّب شحنة الكتب التي طلبتها من متجر نيل وفرات للكتب، والتي ستحمل لي أكثر من ستين كتاب.
تسلسل الكتاب على المدونة: 463
التعليقات