تطرح الباحثة من خلال الأوراق المختلطة بين الخطاب اللغوي والصبغة الجندرية، غياب العنصر الأنثوي في الخطاب الثقافي العربي الواقع مباشرة تحت سيطرة الهيمنة الذكورية، والذي يعبّر عنه بوضوح كأزمة مصطلح نسوي تلعب فيه المعاجم وقواميس اللغة دوراً بارزاً في تغليب المذكر على المؤنث، يعكس في حد ذاته مأزق لغة ذكورية اللفظ والفكر!. وهي إذ تنتقد مدى جدية الحركات النسوية العربية -باستثناء جهود بعض المؤسسات الفردية- في طرح مسألة علاقة اللغة بالجنس، فإنها تخلص بتوصية جادة نحو تنقيح الخطاب العربي المتحيز ذكورياً وطرحه من جديد كخطاب حيوي ومتنوع وشامل، يأخذ بعين الاعتبار الثنائية البشرية، ويستعيد دور المرأة الأساسي ومشاركتها في الحياة، ويثبّت حضور المرأة العربية الواثق في الساحة الثقافية.
وعلى الرغم من موضوعية الطرح في قضية (أنثوية اللغة) الذي عملت عليه الباحثة زليخة أبو ريشة في نصف كتابها الأول، فقد تقمصت السجالات الأدبية في النصف الثاني طابعاً شخصياً، حول (بنوة) رواية ذاكرة الجسد، والتي لم يُحسم أمر نسبها، إما إلى أمها الجزائرية أو إلى أباها العراقي، وقد تناولتها الباحثة كنموذج من الأدب العربي لرواية أنثوية تطغى عليها المخيلة الذكورية! إنها لحقاً مفارقة أن يكون الأطراف المتناحرة في هذا السجال من المنتسبين إلى الساحة الأدبية، والتي في ميادينها دارت رحى الكر والفر!.
تفصح صفحة الفهرس عن الأوراق التي تناولتها الباحثة في هذه القضية، والتي جاءت كما يلي:
- أزمة المصطلح النسوي ودور المعجم
- تحديات الدراسات النسوية في القرن الحادي والعشرين: مأزق اللغة وأسئلته الجوهرية
- المرأة في جريدة: الصورة واللغة
- اللغة المذكرة في الرواية المؤنثة: (ذاكرة الجسد) لأحلام مستغانمي نموذجاً
يقتطف الكتاب ثلاث نجمات من رصيد أنجمي الخماسي، والذي أقتطف ما علق في ذهني منه بعد القراءة، كما يلي:
- يظهر المعجم -العربي والإنجليزي على حد سواء- متورّطاً في الجنسوية من ناحية إسقاط الوجود الأنثوي من مؤسسته، الأمر الذي تشدّ فيه الباحثة على تطوير معجم نسوي يحمل مفرداتها وينبئ عن تطلعاتها.
- يزخر الموروث العربي، الديني والأدبي، بما من شأنه الحط من قدر المرأة على أسس منهجية، كما في إصدارات عباس العقّاد كأديب، ومحمد الغزالي كفقيه، مع بعض الأحاديث المنسوبة إلى نبي الإسلام ﷺ ما يعكس ميسوجينية متأصلة في العقل الجمعي العربي، الذكوري بامتياز.
- لا تشذّ مستجدات الساحة الثقافية العربية عن هذه الإيديولوجيا، لا سيما ما تتناوله الصحافة ووسائل الإعلام على مدار الساعة، والتي لا تزال ترزح تحت وطأة الفاعل الذكوري، حيث لغة الحرب هي السائدة .. في السياسة والرياضة والفعاليات حتى النسائية منها، وحيث تتساءل الباحثة ابتداءً: “هل العنف افتخار ذكوري؟”.
- يحتدم الوطيس بين الأديبة الجزائرية أحلام مستغانمي والشاعر العراقي سعدي يوسف الذي شبك خيوطهما صحفي تونسي (كارم الشريف)، وذلك حول أول عمل روائي للأديبة والمتمثل في رواية (ذاكرة الجسد)، حيث حام لغط نسبة العمل للشاعر أولاً والذي قد تم تفنيده وتقليصه فيما بعد إلى حد إبداء رأيه فيه قبل النشر وحسب، الرأي الذي لم تأخذ به الأديبة على أية حال. وفي منأى عن التراشق اللفظي الذي صال وجال، تتفحص الباحثة الرواية المذكورة فحصاً تحليلياً من ناحية البنية اللغوية، لتكشف عن نزعة ذكورية تطفو بين السرد والوصف والحوار والمخيّلة، وكأن الأديبة تلبّست عقلية ذكورية لتجسّد فيها الأنثى.
تطرح الباحثة في موضوع (تحديات الدراسات النسوية في القرن الحادي والعشرين: مأزق اللغة وأسئلته الجوهرية) سؤالين: الأول (تاريخي / ميثولوجي) تتطرق فيه إلى حقبة المجتمع الأمومي وحظوة المرأة بمقام الألوهية، والآخر (ثقافي / سوسيولوجي) والذي يعكس ظاهرتي (كره النساء) و (خوف النساء) في الأدب العربي الذي احتكر ساحته القلم الذكوري. ومنه اقتبس في نص أنثوي رأي الباحثة حول معضلة الأديبات العربيات في خضم تلك الساحة (مع كامل الاحترام لحقوق النشر):
“بل إن السوسيولوجي القائم على شبكة من المفاهيم والتقاليد والأعراف والعلاقات سينكشف عارياً أمام عين النقد النسوية، ولن يستطيع مداراة سوءاته، حيث ينغل الواقع بكل ما هو مذكر تحت شمس العلن، بينما تتوارى الأنثى -بصورة أو بأخرى- في (الحرملك) مختفية مع صوتها لأنه عورة. ففي أي مشاع من الأرض ستقف شاعرة عربية تطلق أسئلتها وقلقها وتقترح شكلاً جديداً لوجودها؟ دون أن تطاردها الأقلام النهاشة أو المصادرة لفكرة حريتها في التجربة، أو الأقـلام المستمنية ممن يفكر أصحابها بالأنثى قبل الشاعرة؟ ومع ذلك فإن الكاتبة العربية عموماً ما تزال أسيرة مفاهيم ذكورية ولغة ذكورية برغم نضالها الجسدي والأدبي من أجل المرأة، إذ ما تزال أطروحة اللغة غير الجنسوية رهينة جدران الاجتماعي الذي تتكئ عليه بقوة ودونما وعي، أولئك النساء اللواتي يحاولن اجتراح الجديد، وتقويض المهترئ من قيم الحاضر والماضي. وأمثلة ذلك لا تُحصى، فالقاعدة العامة هي تذكير المؤنث، والاستثناء القليل هو تأنيث المؤنث”.
وللباحثة على مكتبتي كتابين آخرين، هما: اللغة الغائبة: نحو لغة غير جنسوية / البلبال: أبواب في الوجد والكرى
كتاب فكري ينم عن حصافة وجرأة ووعي وكبرياء أنثى .. قد يكون مدخلاً لبحث أكثر عمقاً وتوسعاً.
= = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = =
من الذاكرة: جاء تسلسل الكتاب (76) في قائمة احتوت على (105) كتاب قرأتهم عام 2020 تتضمن تسعة كتب لم أتم قراءتها، على الرغم من أن العدد الذي جعلته في موضع تحدٍ للعام كان (100) كتاب فقط! وهو ثاني ما قرأت في شهر سبتمبر من بين ستة كتب! وقد حصلت عليه من معرض للكتاب في إحدى المدن العربية عام 2018 ضمن (140) كتاب تقريباً كانوا حصيلة مشترياتي من ذلك المعرض!.
لقد كان 2020 عام الوباء الذي جاء من أعراضه الجانبية (ملازمة الدار وقراءة أكثر من مائة كتاب)! لم يكن عاماً عادياً وحسب .. بل كان عاماً مليئاً بالكمامات والكتب.
وفي هذا العام، دأبت على كتابة بعض من يوميات القراءة .. وعن هذا الكتاب، فقد قرأته في شهر (سبتمبر)، والذي كان من فعالياته كما دوّنت حينها:
“تعود الحياة وكأنها تتنفس الصعداء من جديد .. ويتم البدء بإعطاء متنفس من الحجر الصحي“.
تسلسل الكتاب على المدونة: 254
التعليقات