الكتاب
أمير الظل
المؤلف
دار النشر
مؤسسة الفرسان للنشر والتوزيع
الطبعة
(3) 2024
عدد الصفحات
175
النوع
ورقي
تاريخ القراءة
08/26/2024
التصنيف
الموضوع
فلسطيني قاوم برصاص بندقيته ثم برصاص قلمه
درجة التقييم

أمير الظل

ليس بكاتب، إنما مقاوم فلسطيني حر .. احترف تصويب رصاص بندقيته تجاه صدور بني صهيون يستهدفها، ولما حال القدر بينه وبينها، صوّب رصاص قلمه وكتب، ففعلت كلماته ما فعلت طلقاته من قبل .. ولا يزال! لا غرو إذاً أن تحيله محكمة إسرائيلية إلى سجونها في حكم مؤبد سبع وستين مرة، ليقضي هناك خمسة آلاف ومائتي عام، بالتمام لا ينقص منها يوم!

يأخذ الكتاب طابع رسالة بثّها الأسير بحميمية إلى ابنته الكبرى (تالا) وحمّلها الكثير من جوانب مثيرة في سيرته الذاتية، وترجم مشاعره بمتفرقات من قصائد كتبها .. في رد على رسالتها التي ضمّنتها تساؤلاً عن السبب الذي دفعه لتركها في سيارته وهي في الثالثة من عمرها، لحظة اعتقاله عام 2003!

إنه (عبدالله البرغوثي 1972)، وُلد في الكويت لعائلة فلسطينية وعاش فيها، ثم انتقل وعائلته إلى الأردن حيث الجالية الفلسطينية العريضة بآلامها وآمالها، ثم غادر إلى كوريا الجنوبية لدراسة الهندسة الإلكترونية، فأتقن لغتها وتزوج إحدى بناتها، وتمرّس هناك على صناعة المواد المتفجرة والعبوات الناسفة ساعده في ذلك اطلاعه المكثف على برامجها، إضافة إلى اتقانه عمليات القرصنة الإلكترونية واختراق لأنظمة وشبكات الاتصال. تمكن بعد عودته إلى الأردن الانتقال إلى فلسطين بعقد عمل، وما لبث حتى التحق بحركة المقاومة الإسلامية (حماس) كمناضل ذو خبرة في صناعة المتفجرات، وخلف مهندس المتفجرات الأسبق الشهيد (يحيى عيّاش)، كقيادي بارز في كتائب عز الدين القسام، فعكف على هندسة العمليات الاستشهادية، لا سيما في نطاق التجمعات اليهودية والمستوطنات، حتى تعرّض للاعتقال من قبل جهاز الأمن الفلسطيني، واستهدفه جهاز الاستخبارات الإسرائيلي كمسئول عن جرائم قتل ضد رعاياها! وقد تحسّب لهذا الاستهداف من الطرفين، حتى بات (أمير الظل) يتخفّى بهويات مزوّرة! وفي كمين محكم أعد له في مارس عام 2003، وبينما كان ينقل طفلته بسيارته نحو إحدى المستشفيات، تم اعتقاله، وتعرض لتحقيق طويل لم يخلُ من تعذيب، وقضى بإثره في سجون الاحتلال منفرداً لمدة عشرة أعوام تعرّض فيها لكافة صنوف التعذيب الجسدي والضغوط النفسية، حتى تم نقله إلى زنازين السجون الاعتيادية لا سيما بعد مواصلة إضرابه عن الطعام .. وهو يقضي حتى اليوم فترة عقوبة تُعد الأطول في تاريخ السجون!

وبينما لم تشمله صفقة تبادل الأسرى عام 2011، فهو يعكف في سجنه على الكتابة .. عن روايته التي لم تنتهِ، وعن قضيته التي يؤمن بأنها تستحق كل ما قدم لها، وهو يؤمن “إيماناً قاطعاً أن من يوجه عمله لله فلا غالب له”.

ومن الرسالة التي خطها لابنته التي جاءت للحياة على يد طبيبة تُدعى (فلسطين)، والتي اقتطعت ثلاثاً من رصيد أنجمي الخماسي، أدوّن شذرات مما راق لي، وباقتباس في نص حر (مع كامل الاحترام لحقوق النشر):

  • تنتفض الحجارة في فلسطين بقبضة أبطالها بينما أمير الظل بعيداً في كوريا، فيصبح حلقة وصل بين فلسطين المحتلة وبين والدته وعائلته الكبرى، وقد كانت الاتصالات مقطوعة بين فلسطين وكافة بلاد العرب، لينقل أخبار فقد الأقارب والأصدقاء! يقول في (الحبيبة والبنين): فكان ذلك هو دافعي الذي حولني أول مرة من طفل إلى شاب مصمم على مقاومة الاحتلال، وهو أيضاً ما دفعني بعد أن أصبحت شاباً أن أصبح رجلاً لا هدف عنده سوى مقاومة ذلك الاحتلال، فالاحتلال هو سبب تشرد عائلتي، وهو أيضاً سبب فقري، فلو كنت أحيا بفلسطين لما كنت مشرداً فقيراً، لاجئاً أو نازحاً في إحدى مخيمات الشتات“.
  • وفي مقاربة بين فلسطين التي تجري في دمه وكوريا التي درس وعمل وتزوج فيها، يتطرق إلى ما يُسمى (مساقات) في الأدب الكوري، والتي تعني بـ “قراءة الوجوه وتفسير تعابيرها”، وقد تعلمها قبل دراسة الهندسة! فيقول في (مجرد مهندس لا أكثر ولا أقل): “هناك في كوريا الوجوه أكثر إخفاءً لما في القلوب، أما هنا في فلسطين فإن الوجوه مرآة للقلوب والعقول”.
  • يعود إلى عمّان، ثم وبسبب أمور تتعلق بمسألة الانجاب، ينفصل عن زوجته الكورية وتغادر، ويقرر الاغتراب من جديد، وهذه المرة في إسبانيا، حيث يقيم ابن خاله، فتثور والدته الوديعة كتسونامي، وتتوعد! يعود ذات ليلة إلى منزله، فيصف ما شاهد للوهلة قائلاً: عدت بعد منتصف الليل لأجد أمي تنتظرني في البيت الذي لم أعرفه عندما دخلته، فلقد حولته إلى بيت فلسطيني أصيل، تملأ الجدران صور القدس وخرائط فلسطين الخشبية، تلك الخرائط الخشبية التي كنت أصنعها قبل أن أسافر إلى كوريا، فلقد كنت بعد عودتي من الدراسة والعمل، أدخل إلى غرفتي لأصنع مجسمات تجسد القدس وتجسد خارطة فلسطين، وكنت أوزع تلك المجسمات على منازل أخوالي وأعمامي وأصدقائي. لم تكن جميلة ولكنها كانت فلسطينية أصيلة تصنع من خشب الزيتون ويصنعها عاشق لفلسطين ومحب للقدس“.
  • لم يكن هدفه العمل وجمع المال عندما دخل فلسطين كما أخبر ابنته في رسالته، فقد جمع منه أضعاف ما يكفي ليحيا حياة كريمة طيلة عمره، ولم يكن الحب والزواج دافعاً آخر، فقد أحب وتزوج. فيقول: دخلت فلسطين لأني أقسمت بالله أن أعمل على تحريرها من المغتصبين الصهاينة ومن فاسدي سلطة أوسلو، كيف؟ لا أعلم! كل ما كنت أعلمه هو أني حملت بداخلي الأمل وإخلاص النية على تحقيق هدفي، فحولت أملي وحلمي إلى واقع ملموس كرست لأجله كل طاقاتي وإمكانياتي. بعد الله استعنت بالكتمان والصمت لعلي أصل إلى طريق الحرية والتحرر“. فتراه يقول لوالده في (العقاب): اسمع يا والدي! لقد آن الأوان لأخوض المعركة التي طالما حلمت بها وتمنيتها، أدعُ لي بالتوفيق والنجاح فأنا يا والدي قد قررت أن أترك هذه الدنيا الفانية لأقاتل لعلي أسقط شهيداً أو لعلي أنتصر، المهم يا والدي هو أني واثق بإذن الله أني قبل أن أصل لإحدى الحسنيين، سوف أسقط العشرات والعشرات من قتلى العدو“.
  • وفي (الشهيد القسامي عز الدين المصري) يُرى المهندس وهو يتناول المكسرات أثناء الوقت الذي يدس فيه عبوة ناسفة صنعها، داخل علبة بيرة ضمن خمسة، ويسلمها جميعاً من ثم لأحد أقاربه، الذي ينطلق بها بعد صلاة الفجر نحو رام الله، حيث مجاهدي القسام بالانتظار! يقول المهندس عن اختبار الأعصاب في مثل هذه المواقف ومدى القدرة على الانضباط: فعمليات إطلاق النار ونصب الكمائن المسلحة وزراعة العبوات الناسفة على جوانب الطرق تحتاج إلى نوع آخر من المقاتلين، أما العمليات الاستشهادية فنحتاج إلى نوع ذو أعصاب حديدية وقدرة على التحكم بالمشاعر بشكل مطلق وكامل، وسوف أتحدث عن هذه النقطة بومضة أخرى شاهدت خلالها أشد مقاتلي القسام وأقواهم عزماً يبكون ولا يكفون عن البكاء أثناء الإعداد والتجهيز لإحدى العمليات الاستشهادية“.
  • تحاصر دبابات المركافا قريته (بيت ريما) لهدف كان واضحاً بالنسبة له: القبض عليه! وبينما يتسلل هو وإحدى المجموعات القسامية عبر الطرق الملتفة للوصول إلى (القلعة) التي اتخذها من قبل وكراً، فقد كانت الدبابات أسرع في قصف القرية التي غصت بجثث القتلى وخلّفت مئات المصابين واعتقلت المزيد من الرجال! يصف الأسير المشهد في (العقاب ثلاثي هذه المرة) قائلاً: مجزرة بحق البشر والشهداء، وبحق المنازل والسيارات، وبحق أشجار الزيتون، فلم يبق شيء قد سلم من تلك الآلة .. آلة الظلم والطغيان .. آلة الدمار! أما أنا فلم يتأخر ردي عبر عدد من العمليات المكثفة نفذت على الطرق الالتفافية وضد نقاط التفتيش والحواجز الصهيونية“.

أخيراً، والأسير يختم سيرته منفرداً في زنزانته إلا من ربه وقرآنه، عازماً على المضي ولو بذل روحه في المقابل، مقراً أن الذنب -إن توقف عن المضي- فسيحمله جسده الذي أنهكه الشقاء .. فإن هذه السيرة، لا بد وتلهم أحرار الأمة لا سيما الطليعة من الشباب والشابات لمواجهة العدو الذي وإن كان مدججاً بالسلاح مدعوماً بقوى الظلام، فيكفي الأحرار العزيمة والإيمان والوعد الحق.

 

= = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = =

نقلاً عن المفكرة: جاء تسلسل الكتاب (89) ضمن قائمة لا تنتهي من الكتب التي خصصتها لعام 2024، والذي أرجو أن يكون استثنائياً في جودة الكتب التي سأحظى بقراءتها فيه، وهو في الترتيب (9) ضمن (12) كتاب خلال أغسطس، لم أتم اثنان منهم! أما عن اقتنائه، فقد حصلت عليه من معرض للكتاب أقيم شهر مايو الماضي بإحدى المدن العربية، ضمن (250) كتاب كانوا حصيلة مشترياتي من ذلك المعرض.

ومن فعاليات الشهر: لا شيء سوى مواصلة النهار بالليل في القراءة وحدها .. وكأنه حلم تحقق!

ومن الكتب التي قرأتها في هذا الشهر: العقل والمادة / السلام عليكم: خطاب إلى المسلمين / ميثوس: الأساطير اليونانية تحكى من جديد / حديث السكون / قضية فلسطين: أسئلة الحقيقة والعدالة / الطوفان: الحرب على فلسطين في غزة / بيت لحم والمسيح في كاريكاتير ناجي العلي / Life Before Life

وعلى رف (أدب السجون) في مكتبتي عدد يقارب (60) كتاب .. أذكر منها: (الآن هنا) – تأليف: عبدالرحمن منيف / (الفتاة الأخيرة) – تأليف: نادية مراد / (ثلاث خطوات إلى المشنقة) – تأليف: جان دوست / (الساعة الخامسة والعشرون) – تأليف: قسطنطين جيورجيو / (أسرار الصندوق الأسود) – تأليف: غسان شربل / (موت الأبد السوري) – تأليف: محمد أبي سمرا / (إعجام) – تأليف: سنان أنطوان / (لست وحدك: ذاكرة حرية تتدفق) – تأليف: علي جرادات / (دروز بلغراد حكاية حنا يعقوب) – تأليف: ربيع جابر / (الخزنة: الحب والحرية) – تأليف: عصمت منصور / (اثنتا عشرة صرخة من الوطن) – تأليف: مينولي سالغادو / (الكتابة والسجن: عالم الكتابة في السجن) – تأليف: كميل أبو حنيش / (سرنامة) – تأليف: عزيز نيسن / (ذكريات معتقل) – تأليف: حسين عبدالقادر / (بيت خالتي) – تأليف: د. أحمد خيري العمري / (قسم المحكومين) – تأليف: كيهان خانجاني / (الشوك والقرنفل) – تأليف: يحيى السنوار

تسلسل الكتاب على المدونة: 539

تاريخ النشر: سبتمبر 4, 2024

عدد القراءات:29 قراءة

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *