ألا تباً وسحقاً مغلظا .. هل لي أن أبدأ بالسباب وصبّ جام اللعنات؟
إن هذا الكتاب يتقصى ابتداءً نشأة كيان لقيط على حساب إبادة شعب أصيل! فما انبثاق ما يُعرف بالولايات المتحدة الأمريكية سوى في حقيقته احتلالاً شنّه الإنجليز المهاجرين على الأرض الجديدة، كما أطلقوا عليها .. حين استباحوا دم وأرض وثقافة وحضارة سكّانها الأصليين من قبائل الهنود الحمر المسالمين، يبيحها لهم نظام الرأسمالية ومبدأ الملكية الخاصة، ومن ثم استبدالها بهويتهم، رافعين مشاعل العلم وصارخين بشعارات الديمقراطية والتحضر!. إن ذلك التأسيس في حقيقته لم يقم سوى على شريعة غاب تقنن إبادة الآخر .. الهمجي واللا أخلاقي .. وإن رفعت دعاوى المدنية وإن باركتها الحملات التبشيرية!. ينقل محضر 33 من جلسات الكونغرس الأمريكي هذه الكلمة: “يجب مساعدة الحضارة على إبادة الهنود كما أمر الله يشوع .. أن يبيد الكنعانيين الذين لم يكونوا يختلفون عن هنود اليوم، ثم إنه عوقب على تقاعسه عن الانصياع لأمر الله”.
تقع الإبادات التي اقترفها الرجل الأبيض بدمه البارد والتي تناولها الكاتب بالبحث والفضح ضمن ثلاثية، تُقرأ كسلسلة متصلة لا تقل إحداها أهمية ولا تُغنِ عن الأخرى، هي: أميركا والإبادات الثقافية / أميركا والإبادات الجماعية / أميركا والإبادات الجنسية
وعن الكاتب، فهو د. منير العكش، أستاذ الإنسانيات واللغات الحديثة في جامعة سفُك بولاية بوسطن الأمريكية، والذي صدر له العديد من المؤلفات باللغتين العربية والإنجليزية، تتضمن ترجمات ومجموعات شعرية. يترأس كذلك تحرير مجلة جسور التي أنشأها عام 1991 والتي تصدر باللغة الإنجليزية بالتعاون مع جامعة سيراكوس في نيويورك، بالإضافة إلى مشاركته في إدارة أحد أبرز مراكز الأبحاث العربية في الولايات المتحدة الأمريكية. وهو قد حصل على (وسام أوروبا) من البرلمان الأوروبي تكريماً لجهوده في مشروع حوار الحضارات العالمي. وككاتب ومفكر ومؤرخ، فإنه “سوري بالمولد .. فلسطيني بالاختيار” كما يحب أن يُعرف.
استهل هذه الثلاثية، بـ (أميركا والإبادات الثقافية) والتي جاء عنوانها الفرعي (لعنة كنعان الإنجليزية) معبّراً لما عرضته صفحة المحتويات في تسعة فصول، إضافة إلى المقدمة والوثائق والملاحق، وقد نال بها الكتاب أربع نجمات من رصيد أنجمي الخماسي. هي كما يلي:
- الفصل الأول: التطهير الثقافي
- الفصل الثاني: استباحة الجسد
- الفصل الثالث: من يأكل لحم البشر؟
- الفصل الرابع: الكنعنة سلاحاً
- الفصل الخامس: «علم إنسان» لا إنساني
- الفصل السادس: الأرض مقابل «الحضارة»
- الفصل السابع: أولاد مكولاي
- الفصل الثامن: أطفال «الهمج» في جنان «المدنية»
- الفصل التاسع: حصاد الأرواح
ومن هذه الفصول والتاريخ الدموي الذي وصَفَته، أعرض ما علق في ذهني من صور لم تبرحه، كما يلي:
- إن الإنجليز واليهود أشبه بوجهان قبيحان لعملة واحدة مسكوكة بدمغة (شعب الله المختار)! فكما استحل اليهودي أرض كنعان التي تقطع الثوابت التاريخية بأحقيتها للعربي الفلسطيني، في سبيل إقامة الكيان الإسرائيلي، كذلك فعل الإنجليزي، كعرق أنجلوسكسوني متفوق لإقامة الكيان الأمريكي، ضد العرق الهندي الأحمر ابن الأرض المكتشفة حديثاً، باعتباره وقبيلته مجرد شرذمة (كنعانية) .. ليس إلا!.
- يستهل الكاتب المقدمة التي لا يطيل فيها الحديث، بعرض الثوابت التاريخية الخمس المؤسسة للكيان الأمريكي، منذ اكتشاف العالم الجديد على يد كريستوفر كولومبس، والذي يُحتفى به هو الآخر كمؤسس لحقبة إنسانية ترفع شعار الحرية!. هذه الثوابت في حد ذاتها هي نفس الثوابت التي لا تخفى على كل متابع حصيف للنظام الأمريكي حتى الساعة، وإن اختلفت الألسنة والآليات والسياسات. إنها:
-
- المعنى الإسرائيلي لأميركا.
- عقيدة الاختيار الإلهي والتفوق العرقي والثقافي.
- الدور الخلاصي للعالم.
- قدرية التوسع اللانهائي.
- حق التضحية بالآخر.
- وفيما تبقى من الكتاب كملاحق، تعرض صوراً وحشية لأكلة لحوم البشر، فهنالك محرقة (حصن ميستيك)، وهناك وليمة (البطاطا المطبوخة بشحم بشري)، وهناك حادث (السلخ بالأسنان)، وهناك رواية (اختفاء رأس الزعيم أوسيولا)، وهناك مذبحة (بحيرة كلير). أما مذبحة (ساند كريك) فقد تلقّت شهادات حية أمام الكونغرس عن ممارسات لا تمت للإنسانية بصلة أتى بها أبناء العم سام! مثل: السلب والنهب، السلخ واقتلاع الأدمغة، بتر الأعضاء التناسلية، قطع فروج النساء وتعليقها وعرضها فوق الحراب، شق أجساد النساء وتقطيعها إلى قطع صغيرة، تمزيق جثث الرضع ذوي الشهرين والثلاثة أشهر، تعذيب الأطفال والتمثيل بأجسادهم وتحطيم رؤوسهم باستخدام أعقاب البنادق.
ومن (الثقافية) أقتبس في نص دموي ما ورد في وحشية الرجل الأبيض (مع كامل الاحترام لحقوق النشر) كما يلي:
- يشهد الرحالة الإنكليزي جورج فردريك ركستون على حادثة قائلاً: “انتزعوا الجنين الذي كان ينبض في بطن أمه وغطسوه في الماء المقدس لتعميده، وبعدها خبطوا رأسه على الجدار وسحقوه .. وعندما عاد رجال كريكر بمائة وسبعين فروة من رؤوس الأباشي، استُقبلوا بعراضة حماسية، اشترك فيها الحاكم والقسيس وفرقة من الموسيقا”.
- وإنهم (يلعبون برأسه ثم يسلقونه في القدر)، حيث: “في بطن الوادي، أطلقوا النار على أجساد هنود كومانشه وسلخوا فروات رؤوسهم، ومعها الآذان وكل شيء. ثم قطعوا قطعة صغيرة من جلد كل ثدي. وفي المساء جاء الدكتور روفوس شويت ومعه ليوتنت ونتز ميللر وصبيان زنجيان، فقطعوا رؤوس القتلى، ووضعوها في كيس من الخيش، وأخذوها للسلق من أجل دراسة علمية. أما بعد منتصف الليل سمعنا عواء الذئاب التي حملت إليها ريح الليل رائحة «اللحم» من بعيد. كانت تتزاحم وتتشابك وتتكالب وتعوي فوق هذه الوليمة من أجساد البشر. هؤلاء البرابرة فكانوا ـكما رأيتهم بعيني ـ يرقصون احتفالاً بما فعلته أيديهم! وعندما حان وقت العشاء في المعسكر ناداني ميللر من بعيد .. ناداني أنا والمايجور ماوك وقال: تعالا، لدينا شيء طيب. قال ميللر: وما هو؟ فأجاب: حساء. ولاحظنا مغرفتين تغرفان من القدر، وأخذنا بصحنينا غير مرتابين بشيء حتى وصلنا إلى القدر ونظرنا. ويا للهول: رأينا رأسين مسلوخين لهنديين من هنود الكومانشه، وما تزال خطوط الأصباغ على وجهيهما، بينما كانت عيونهما مفتوحة تتأرجح من الأسفل إلى الأعلى وتعلو فوق هذا القرف، ثم تختلط مع فقاعات الحساء الدموي”.
وللكاتب على مكتبتي كتاب آخر هو (تلمود العم سام: الأساطير العبرية التي تأسست عليها أميركا) .. ولا بد لي من عودة!.
= = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = =
من الذاكرة: جاء تسلسل الكتاب (15) في قائمة احتوت على (105) كتاب قرأتهم عام 2020 تتضمن تسعة كتب لم أتم قراءتها، رغم أن العدد الذي جعلته في موضع تحدٍ للعام كان (100) كتاب فقط! وهو خامس كتاب اقرؤه في شهر مارس من بين عشرة كتب .. وقد حصلت عليه من معرض للكتاب في إحدى المدن العربية عام 2019 ضمن (80) كتاب تقريباً كانوا حصيلة مشترياتي من ذلك المعرض!.
لقد كان 2020 عام الوباء الذي جاء من أعراضه الجانبية (ملازمة الدار وقراءة أكثر من مائة كتاب)! لم يكن عاماً عادياً وحسب .. بل كان عاماً مليئاً بالكمامات والكتب.
وفي هذا العام، دأبت على تدوين بعض من يوميات القراءة .. وعن هذا الكتاب، فقد قرأته في شهر (مارس)، والذي كان من فعالياته كما دوّنت حينها:
“ويبدأ الحجر الصحي فعلياً .. إن الوباء حقيقة وواقع معاش“.
تسلسل الكتاب على المدونة: 200
التعليقات