كتاب أشبه بسيرة ذاتية، مقتبسة من مذكرات ضابط بريطاني سابق تحوم حوله شبهات الجاسوسية في شبه جزيرة العرب! إنه توماس إدوارد لورنس ( E. Lawrence) أو (لورنس العرب) كما يحلو لعرب اليوم تسميته. فلقد كان عرّاب الثورة العربية الكبرى التي دارت رحاها أوائل القرن الماضي، وتحديداً أثناء الحرب العالمية الأولى، بزعامة الملك فيصل بن الحسين والي الحجاز، ضد التواجد العثماني في شبه الجزيرة العربية، حيث لعب لورنس دوراً بارزاً في تأليب القبائل العربية ضد الأتراك حينها، بعد أن بذل جهداً لا يقل أهمية في توحيد صفوف القبائل المتناحرة والدخول مع بريطانيا في الحرب!.
من خلال سيرته الذاتية، يوثّق لورنس لحياته اليومية مع البدو في الصحراء، والمعارك التي خاضها، والأحداث التاريخية التي تبعتها، كما يتعرض لعدد من الشخصيات المؤثرة في تلك الأحداث، إضافة إلى إسهابه في وصف البيئة العربية وطبيعتها وجغرافيتها وآثارها، سواء في قلب شبه الجزيرة أو في منطقة الشام.
تعرض شبكة المعلومات العالمية الكثير من المواد المصورة والمقروءة عن سيرته لا سيما الوثائقيات، وفي عام 1962 تم إنتاج فيلم بعنوان (Lawrence of Arabia) يجسد فيه الممثل الإيرلندي (بيتر اوتول) شخصية لورنس، بمشاركة الفانين العالميين عمر الشريف وأنتوني كوين. وقد حقق الفيلم نجاحاً منقطع النظير. غير أن الكتاب الذي تتضارب الأقوال في تاريخ نشره (بين 1922 و 1935) يعتقد قرّاءه أنه أكثر عمقاً وفلسفة.
وعن اسم الكتاب -ونقلاً عن الشبكة- يدّعي لورنس أنه يرمز إلى سبع مدن كتب مسودته فيها، من ضمنها (عمّان، وجدة، ولندن، ونيويورك)، غير أن المحنكين يحاولون ربطه بالشمعدان اليهودي ذو القوائم السبع، في إشارة إلى ولائه الحقيقي! أما عن الإهداء الذي سطّره لورنس إلى (س.أ)، فلم يسلم أيضاً من تكهناتهم، إذ يعزونه إلى حبيبته اليهودية (سارة آرونسون)، بينما يحيله الآخرون الأكثر حنكة إلى (سليم أحمد) وهو أحد الفتية العرب الذي ارتبط مع لورنس بعلاقة حميمية، ومات بعد مغادرته بلا عودة إثر انقضاء مهمته. في العموم، يأتي الإهداء في لغة مبهمة أشبه بنعي المحبوب/ة.
عليه، إنه كتاب يعرض حياة لورنس العرب في شبه جزيرة العرب (الجاسوس الأكثر شهرة والأكثر تأثيراً في الوطن العربي)، الذي لا يزال يحمل هوية سايس-بيكو وقد صاغ حجر أساسها .. في عشرة أجزاء كما يبين فهرسه، إضافة إلى المقدمة والإهداء. حظي معه بثلاث نجمات من رصيد أنجمي الخماسي.
ومما علق في ذهني من أجزائه العشر، ألتقط ما يلي:
عن العرب:
- يعتقد أن الفرد العربي من بدو وحضر يتميز بصفاء البال وصلابة المعتقد، وعلى الرغم من أن خياله ليس خلاقاً إلا أنه خصب.
- يرى أن صنع المعتقدات وعلى رأسها الأديان السماوية الثلاث هي حكراً على العرب، حيث إنهم يدّعون توالي أربعين ألفاً من الأنبياء عليهم، تتقاسم دعواهم فكرة نبذ الحياة الدنيوية والعمل للحياة الأخروية حيث السعادة الأبدية.
- يُمجّد الحضارة العربية التي أثرت الإنسانية بخدمات جمة، في حين كانت أوروبا غارقة في ظلمات العصور الوسطى.
- ذرع شبه الجزيرة شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً، فاختلط بالقرويين واطلع على عاداتهم ومشاكلهم.
- يطري ولاء العرب لشريفهم رغم رواتبهم المتواضعة بالمقارنة على ما كانوا يحصلون عليه من الأتراك كرشاوى لكسب ولائهم، إلا أن العرب كانوا يقبلونها ويخذلونهم بالمقابل. يبطش التركي بأسراه إلا أن العربي كان يُكافئ إذا أتى بأسيره سالماً .. كما يعتقد لورنس أيضاً أن العرب لا يحتقرون الإنسان للونه، على عكس الأتراك.
عن مهمته:
- يسرد تفاصيل ممتعة عن حياته مع البدو في الصحراء، بالإضافة إلى مهمته الأساسية في توحيد القبائل العربية ضد الإمبراطورية العثمانية، ويعترف بأنه قد نجح في إخفاء شخصيته، إذ تم انتدابه للعيش كغريب بين هؤلاء البدو وتوجيههم وفقاً لمصالح بلده بريطانيا.
- يذكر اشتراك الجنود المسلمين الجزائريين في البعثة العسكرية الفرنسية في جدة والمزودة بالرشاشات والمدافع والخيالة.
- كان يهدف إلى كسب ولاء “الآخرين في مصر” حسب قوله، فيكتمل ولاء العرب قاطبة له لتمزيق الترك وتحقيق أهدافه في جزيرة العرب.
- يطري بسالة البدوي الأردني عودة أبو تايه حيث يرى أنه “اسطورة حية”.
- يتحدث عن اطلاقه للنار على “فراج” أحد مساعديه ليريحه من آلامه، وبالأخص عندما باغتهم هجوم الأتراك.
- يتحدث عن مرضه الذي عرضه للكي كعلاج عند العرب، وعن أول وآخر صلاة صلاها مع العرب في الجزيرة العربية على الخط الحديدي، وعلى مرأى من الأتراك الذين ذُهلوا وأخمدوا النيران لذلك. كما يتحدث عن الألغام ونسف الجسور وقطع أسلاك الهاتف مع رجاله. ويتحدث كذلك عن دروس اللغة العربية الفصحى والعامية التي اتقنها تماما، وكأنه أحد البدو الأميين.
عن علاقته بالشريف فيصل:
- يتحدث عن لقائه بأبناء الشريف الحسين الأربع (علي وفيصل وزيد وعبدالله)، ووصفه لملامح وأخلاق وطبائع كل واحد منهم، وعن اعجابه الخاص بالشريف فيصل. كان (عبدالله) داهية صريح مفرط في المزاح، و(علي) رزين هادئ مولع بالمطالعة وعالم بالدين والقانون، لكنه وصف فيصل بأنه الزعيم الذي جاء إلى بلاد العرب ليبحث عنه، وذلك منذ الوهلة الأولى التي وقع فيها نظره عليه.
- يكيل المدح لجنود الشريف فيصل، فقد كان “يلذ للمرء أن يمتع ناظريه بمرآهم وهم يتحركون” حسب تعبيره، فهم الجنود ذوي الملامح الصلبة القاسية والأجساد الضامرة المرنة كأنها الزيت، الحفاة على الرمال الحارقة والصخور المدببة. كل ذلك رغم أنهم “فتية”.
- يطري خلق الشريف فيصل وبالأخص صبره اللامتناهي، والذي كان يجسد معنى الزعامة في البلاد العربية.
- يتحدث عن جمال الفجر في معسكرهم البسيط وصوت الإمام المدوي بالأذان، وخدمة “العبيد العتقاء” المتفانية للشريف، الذين يرفضون التخلي عن خدمة سيدهم.
- يصف الشريف فيصل بأنه كان مدخن شره وذو شهية ضعيفة للأكل، وكأنما يداعب الأرز ومكعبات اللحم والحلوى بأطراف أصابعه عندما توضع الأطباق أمامه.
- يغتبط لعرض الشريف فيصل بارتداء الملابس العربية ويقبل به، فقد أعطاه ثوب حرير أبيض طويل بخطوط ذهبية كانت قد أهدته إياه عمته يوم زواجه، ويعتقد لورنس أن في ذلك تلميحاً له.
عن الإمبراطورية العثمانية:
- يذكر للعرب تحدياتهم وإصرارهم ضد محاولات الأتراك الجائرة في طمس كل ما هو عربي، ومن ضمنها اللغة العربية.
- يشير إلى أن السلطان العثماني عبدالحميد -ولترسيخ نفوذه- دأب على عزل شريف ما وتعيين آخر منافس من حين لآخر، فقد نقل الشريف الحسين بن علي إلى الآستانة، الذي استغل الوضع هناك وقام بتربية أبنائه الأربع تربية حديثة. وعلى الرغم من أن الشريف الحسين ذو شخصية متناقضة تعود إلى تعليمه في المدارس التركية بجانب والدته الشركسية الأصل، فقد أمر أبناؤه الأربعة بخلع الملابس الأوروبية وارتداء العربية بعد عودتهم من الآستانة إلى الجزيرة العربية.
- لم تكن ثورة دينية بل أرادها الشريف فيصل ثورة قومية للاستقلال عن الطغيان التركي، فتحالف العرب مع النصارى ضد الأتراك المسلمين.
- يقص لورنس وبإسهاب حادثة وقوعه في أيدي الجنود الأتراك، و “التحرش الجنسي” الذي وقع عليه من “البيك”، وشتمه وجلده وحبسه كعقاب شديد على مقاومته ورفضه “اشباع رغبات” البيك الشاذة.
عن علاقته بأسياده:
- على خلاف سايكس وبيكو، كان لورنس يعتقد بإمكانية دخول العرب للشام، حينها لن تتمكن بريطانيا أو غيرها من تنفيذ مشاريعها الاستعمارية. يؤمن بقوة عقيدة العرب وفتوحاتهم إذا ما وكل أمرهم لنبي مسلّح.
- يعزو سبب رفض رئيس البعثة العسكرية الفرنسية إرسال المدفعيات اللازمة والجاهزة، إلى التخوف من إعداد جيش عربي قوي، إلا أنه يبرر لبريطانيا هذا الرفض ويصفه بـ “غباء مجرد”، وينفي تهمة النوايا السيئة عن بلاده.
- يعبّر لورنس عن تفاجئه بتصريح الكولونيل الفرنسي له رغبته الاستيلاء على العقبة لأسباب أهميتها الاستراتيجية كما ادعّى! كان لورنس يعتقد أن السبب الحقيقي وراء ذلك هو رغبة فرنسا منع تقدم العرب إلى دمشق. عندما اطلع لورنس مخاوفه على الشريف فيصل، ما كان منه إلا أن أصر على الكولونيل الفرنسي زيادة المدفعيات، وقد وصف غضبه ورده على إهانة الكولونيل لجنوده عندما وصفهم بـ “الماعز”.
- كان لورنس يكيل اللوم إلى نفسه، فقد كان يشعر بالذنب لعلمه يقيناً “بأنهم” لن يفوا بعهودهم التي اطلقوها للعرب فيما بعد! لقد ضاق بنفسه -حسب تعبيره- وأصبح يخاف الوحدة والمسئولية.
في اقتباس قصير من بين صفحات الأعمدة، يقول لورنس في بداية حديثه: “لقد انتدبت للعيش مع هؤلاء العرب كغريب عاجز عن مجاراتهم في التفكير والمعتقد، مجبرًا على تدريبهم وتوجيههم في الاتجاه الذي يتفق مع مصالح بريطانيا المتحاربة مع عدوهم. وإذا كنت قد عجزت عن تفحص شخصيتهم، فقد نجحت على الأقل في إخفاء شخصيتي عنهم، واستطعت أن اندمج كليًّا في حياتهم دون احتجاج ولا انتقاد. وبما أنني كنت رفيقهم، فلن أحاول اليوم وقد عدت إلى ارتداء الزي البريطاني الثناء عليهم او الدفاع عنهم، بل سأحرص على أن أصور الأحداث كما عشتها بالفعل”.
ولا يزال التاريخ يعيد مؤامرات الثنائي سايكس وبيكو، ولا يزال العربي يتصرف تارة بشرف كأشرافه السابقين، وبسذاجة العبد تارة أخرى الذي يُلدغ من الجحر مرتين، ومؤخراً بعصبية القبلية ضد بني جلدته وإن كان الصالح العام يصب في ميدان أعدائهما العادين … غير أنه من الجدير الإشارة إلى مقولة تنطوي على درجة عالية من الصدق، وتُنسب إلى الجاسوس نفسه .. تقول: “أن العربي حين يصدّق بك ويؤمن برسالتك، سوف يتبعك إلى أقاصي الدنيا، ولو بذل في ذلك حياته”.
= = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = =
نقلاً عن المفكرة: جاء تسلسل الكتاب (79) ضمن قائمة لا تنتهي من الكتب التي خصصتها لعام 2024، والذي أرجو أن يكون استثنائياً في جودة الكتب التي سأحظى بقراءتها خلاله، وهو التاسع ضمن قراءات شهر يوليو!
لقد قرأت هذا الكتاب بنسخة إلكترونية منذ أعوام مضت، ورجعت له اليوم بنظرة خاطفة .. كما أن مكتبتي تحظى منه بنسخة ورقية، سأحرص على قراءتها قريباً
ومن فعاليات الشهر: لا شيء سوى مواصلة القراءة ليلاً نهاراً .. وكأنه حلم تحقق!
ومن الكتب التي قرأتها في هذا الشهر: محمد كريشان يروي: وإليكم التفاصيل / علم رواية القصص / إعجام / من يهودية الدولة حتى شارون / ER Nurses: True stories from the frontline
وعلى رف (سيرة ذاتية) في مكتبتي، عدد يتجاوز (120) من الإصدارات، منها قديم ومنها حديث .. أذكر منها: (كارمن بن لادن: في قلب المملكة حياتي في السعودية) – تأليف: كارمن بن لادن / (مذكراتي في سجن النساء) – تأليف: د. نوال السعداوي / (دكتور في السابعة من العمر) – تأليف: أصغر جدائي / (عاشوا في حياتي) – تأليف: أنيس منصور / (القصة الحقيقية: ريا وسكينة) – تأليف: محمود صلاح / (حب وحرب: قصة واقعية عن بطولات معركة 67) – تأليف: شوقي حامد / (جريمة في البيت: قصة إعدام إبراهيم طراف طراف) – تأليف: يوسف سلامة / (المشوهة: عندما تتحول جريمة عاطفية إلى قضية دولة) – تأليف: رانيا الباز / (الأميرة: قصة الحياة الحقيقية خلف الحجاب) – تأليف: جين ساسون / (أنا ملالا: ناضلت دفاعاً عن حق التعليم وحاول الطالبان قتلي) – تأليف: ملالا يوسفزاي / (لماذا تقتل يا زيد؟ قصة حقيقية للمقاومة العراقية) – تأليف: د. يورجن توديمهوفر / (مهنة العيش) – تأليف: تشيزاري بافيزي / (يوميات طبيب) – تأليف: د. محمد العاسمي / (تجار اللحم البشري) – تأليف: إفيوما شنوب / (رجم ثؤيا) – تأليف: فريدون صاحب جم / (جان دارك) – تأليف: جورج برنارد شو / (حين يقترب القمر) – تأليف: نادية هاشمي / (هوس العبقرية) – تأليف: باربارا جولد سميث / (ليتر من الدموع: نضال شابة للحياة) – تأليف: آيا كيتو / (هذا الكتاب سيؤلمك: يوميات سرّية لطبيب مبتدئ) – تأليف: آدم كاي/ (صلاة تشرنوبل) – تأليف: سفيتلانا أليكسييفيتش / (دموع الملح) – تأليف: بيترو بارتولو وليديا تيلوتا / (أرجوكم لا تسخروا مني) – تأليف: جودي بلانكو / (مذكرات طبيب شاب) – تأليف: ميخائيل بولغاكوف / (عبدالرحمن السميط: قصة رجل عظيم) – تأليف: عز الدين مراغب / (حياة قلم) – تأليف: عباس محمود العقاد / (سيرة رجل ملون) – تأليف: جيمس جونسون / (سجينة طهران: قصة نجاة امرأة داخل أحد السجون الإيرانية) – تأليف: مارينا نعمت / (شيرين أبو عاقلة: الشاهدة والشهيدة) – تأليف: هيثم زعيتر / (كل شيء هادئ في العيادة: مذكرات يهودي عراقي) – تأليف: سلمان درويش / (Spare) – تأليف: Prince Harry
تسلسل الكتاب على المدونة: 529
التعليقات