رواية نسوية بقلم رجل! هنا قد يكمن شيء من العجب في براعة توصيف حالة القهر التي تعتري امرأة البيئة الصحراوية، بما تحمله كأنثى من أحاسيس وجدانية طاغية وبما يستشرِ في نخاع الكائن الصحراوي من تصحّر إنساني .. بشهادة رجل لا امرأة .. بوصف مجرّب لا بتنظير حكيم!
فعن مؤلفها، ينقل موقعه على شبكة المعلومات تمرّسه في مجال الأدب والصحافة والأعمال الروائية، حيث مقالاته المنشورة إلى جانب مجموعة إصداراته الأدبية، والتي أذكر منها (أنا وثلة من مرتزقة الأرض، لأنك إنسان، المنبوذ)، كما أنه يحمل صفة العضوية كمدرب معتمد في البرلمان العربي لخبراء التدريب، وقد أنهى دراسته الجامعية في تخصص علم الاجتماع.
هنا تائه في صحراء قاحلة يوشك على الهلاك .. وبينما هو قاب قوسين أو أدنى من الموت، يمرّ أمام ناظريه شبح الحياة التي أمضاها كمسئول مرموق في بلاده، سخّر صلاحياته الممنوحة له في كل ما من شأنه مناهضة حقوق المرأة والوقوف لها بالمرصاد .. حتى تأتي نجاته من موته المحتّم على أيدي ابنتيه .. البغيضتين، لا أبناءه الأبرار!
من خلال هذه الحبكة، يسلّط المؤلف الضوء على قضايا المرأة في المجتمع الذكوري وعلى حقوقها المهدورة، في محاولة لمعالجتها .. وذلك من خلال إبراز دور المرأة الريادي في المجتمع وتفوقها العلمي والعملي في مختلف المجالات، مستشهداً ببعض النماذج التاريخية من التراث الإسلامي مع توضيح الرأي الديني الصحيح في ذلك لا المتشنج كما هو الحال!. وقد اجتهد المؤلف أيما اجتهاد في تفسير عدد من النصوص الدينية بنهج فلسفي لا يحيد عن شرع وفكر ومنطق، ويتفق مع صلاحية أحكام الإسلام لظروف كل زمان ومكان .. فما يحتاج الأمر سوى إعادة إعمال العقول في النصوص الدينية مقابل الواقع المعاش بتحديثاته، واستنباط الأحكام ودرء اقتفاء آراء السلف شبراً بشبر وذراعاً بذراع .. وقد احتج -على سبيل المثال- بما استحدثه علماء الدين من آراء فقهية تحلل بموجبها التعاملات البنكية الربوية بما يتفق ومصالح الوقت الحاضر .. فلمَ تستحكم إذاً عقول أولئك الفقهاء متى ما كان الحكم الشرعي يتعلق بشأن من شؤون المرأة، لا سيما حقوقها المكفولة، وتستغلق على نصوص بائدة وتفاسير عفى عليها الزمن بأصحابها؟!.
يأتي التسلسل الدرامي للرواية في ستة مشاهد تسيّد كل مشهد منها .. امرأة! والمشاهد هي:
- نجود .. أول قضية
- أم نجود
- دعاء من أجل لقمة العيش
- العنود: يوم ظلمي عيد
- المرتد عن الإسلام
- كيف كرهت المرأة لهذه الدرجة
ومن الرواية التي أصابت من رصيد أنجمي الخماسي ثلاثة، أقتبس في نص من حق يراق على جوانبه الدم (مع كامل الاحترام لحقوق النشر) ما ورد في دفاع نجود عن قضيتها وقضية بنات جنسها أمام سفّاحها .. كقضية فطرية مسلّم بها قبل الجدال في مدى شرعيتها من عدمها: “إذا كنت تسير في الصحراء ومعك عدد من أصدقائك وبعد أن اشتد الحر عليكم واعتلت الشمس كبد السماء .. فيم ستفكرون؟ ما الذي ستقودكم عقولكم للتفكير فيه؟ ستفكرون مؤكداً في الماء .. في ظل يقيكم حر الشمس اللاهب .. أليس كذلك؟! ستبحث غرائزكم عن كيفية المحافظة على هذه الحياة .. هل يوجد واحد منكم بادر بطرح هذا بينكم؟ هل هناك واحد منكم هو الوحيد فقط الذي فكر وذكركم بمثل هذه الاحتياجات الطبيعية؟ بالضبط مسألة حقوقنا الإنسانية ومطالبتنا بالحصول على المساواة والعدالة .. هذه حاجات أساسية! قد تكون مرت عدة أجيال من النساء لم تذكرها، لكنني أؤكد لك أنها فكرت دوماً فيها، وتسألن دوماً عن سر هذه القوة العظيمة التي تمنعهن أن يصدحن ويعبرن عن مطالبهن بشكل سلمي وهادئ .. هذه الأمور لا تحتاج إلى زعيم للتذكير بها أو إلى قائد ليوجه النساء إليها .. إنها من صميم تفكير كل امرأة تعاني، وفي وجدان كل إنسانة مضطهدة محرومة من العدالة والمساواة“.
ختاماً أقول كما قال المؤلف في ثنايا روايته .. بأنه متى ما جمعت المرأة الشرقية من الأفق الفكري العريض والثقافة الواسعة والذكاء المتّقد والثقة العالية والاستقلالية في كامل شؤونها .. وسعت للمناضلة من أجل نيل حقوقها ونادت في ذلك بأعلى صوت يسمعه القاصي والداني ولا يحدّه حدّ .. أصبحت متهمة بمحاولة قتل المجتمع من الدرجة الأولى وقد حاولت إفساد طهره وزعزعة أركانه المتينة وتهديد ثوابته الراسخة .. فضلاً عن وصمها بالعهر!.
رواية .. يُقال أنها تعرّضت للمصادرة! ولا عجب .. فقد قال فيها صاحبها فأوجع!.
و “يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ”.
= = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = =
من الذاكرة: جاء تسلسل الرواية (46) في قائمة احتوت (70) كتاب قرأتهم في عام 2022، وهي تحتل رقم (22) ضمن (23) كتاب قرأتهم في شهر نوفمبر .. وقد حصلت عليها من متجر جملون الإلكتروني للكتب العربية في ديسمبر من عام 2020، ضمن (85) كتاب تقريباً كانوا حصيلة مشترياتي من تلك الشحنة.
من فعاليات الشهر: لا شيء سوى مصارعة الوقت لقراءة المزيد من الكتب وتعويض ما فات خلال العام .. وقد أجّلت عمل الأمس إلى اليوم كثيراً والذي أصبح فائتاً كذلك!
تسلسل الرواية على المدونة: 377
التعليقات