الكتاب
قلب كلب
المؤلف
الكتاب باللغة الأصلية
Сердце собаки - By: Михаил Афанасьевич Булгаков
المترجم/المحقق
د. نوفل نيوف
دار النشر
دار الفرقد للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة
(1) 2007
عدد الصفحات
155
النوع
ورقي
تاريخ القراءة
10/31/2018
التصنيف
الموضوع
المعدن الرخيص وطلاء الذهب
درجة التقييم

قلب كلب

رواية مجنونة بقلم مؤلف عبقري، ينتقد فيها وبجرأة الواقع الروسي الذي كان يقبع تحت سلطة الحزب الشيوعي فيما كان يُعرف باتحاد الجمهوريات السوفيتية الاشتراكية في القرن الماضي، في طرح أشبه بالخيال العلمي المشوب بفكر فلسفي يزخر بالكثير من الإيحاءات والتلميحات والإسقاطات، جاءت كلها في الصميم .. حيث تتمحور الرواية حول الإنجاز الذي حققه البروفيسور د. بريوبراجنسكي في تحويل كلب إلى إنسان من خلال تقنية طبية سابقة لعصرها، في رمزية فجّة ضد الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية البائسة التي سادت الحقبة الستالينية! لم يكن هدف الجرّاح عندما انتشل ذلك الكلب الضال من على قارعة الطريق وهو عليل، إلى عيادته الوديعة، وقام بعلاجه وإطعامه وتسمينه قبل إخضاعه إلى مجازفة جراحية، إلا أنسنة خَلقه وتهذيب خُلقه، وقد تكللت المجازفة بنجاح شبه تام إذ انقلب الكلب إلى إنسان حقيقي .. ما عدى قلبه!.

ويكاد يكون (القالب غالب)! ففي حين تبدّل الشكل الخارجي للكلب، وأتقن شيئاً فشيئاً لغة البشر، وارتدى بدلاتهم الأنيقة، واستمر إلى أن اعتلى منصباً قيادياً، أبت فطرته الحيوانية إلا أن تطغى، وأن يغلب طبع قلبه الكلبي تطبّعه، وأن يعصي ويشتكي ويخالف ويتمرد ويسكر ويتحرش ويعيث أينما حلّ الفساد. وعلى الرغم من ترعرعه كإنسان في وسط بروليتاري إصلاحي، فقد انتهى به الحال ليصبح (الرفيق) المنزلق في وحل الاشتراكية ومستنقع الشيوعية، وكما يقال في لهجة دارجة (ذنب الكلب يبقى أعوج). لكن، بدهاء الخبير وحكمته وإنسانيته، يُنقذ الجرّاح الحصيف ومساعده الوضع الذي آل إلى رزايا مادية وأخلاقية جرّاء التورط في خلق إنسان بقلب كلب، وذلك في خاتمة الرواية التي امتزج فيها المكر بالدهشة بالنهايات السعيدة.

في إشارة ذكية على طريقة (إياكِ أعني واسمعي يا جارة)، رمز المؤلف الشاب إلى الحزب الشيوعي الحاكم بقمعه وجوره، وغمز ولمز بأسياده وأعضائه ورفاقه الفارغين علماً وخُلقاً .. بكلب أرعن يحمل في جوفه قلب حيواني مستعصٍ على الرقي، لا يحكم إلا به ولا لأنسنته سبيل. كم يبدو غريباً أن تتقاطع رواية روسية تعرض لأوضاع مزرية تمس كرامة الإنسان في زمن ولّى وانقضى معها مؤلفها، مع معاش إنسان الألفية الثالثة في عالم ثالث، حيث يأبى التاريخ إلا أن يعيد نفسه! كان ميخائيل بولغاكوف (1891 : 1940 Mikhail Bulgakov) المولود في مدينة (كييف) لأبوين أكاديميين في علوم الدين، طبيباً ماهراً قبل أن يصبح كاتباً بارزاً، وقد ترك مهنته الأولى إلى الأبد ونذر نفسه للأدب، لا سيما في إصدار الأعمال التي تتلبّس طابع النقد السياسي، وقد صُنف معظمها ضمن روائع الأدب العالمي، مثل مسرحية (أيام آل توربين) التي حرص ستالين -رئيس الاتحاد السوفيتي في العشرينات- على حضورها. لم يُغر ضميره مال وحافظ على قلمه نزيهاً وناضل به في سبيل الحق والعدل والحرية في زمن كان عنوانه القمع والإذلال والاضطهاد، فحورب بمصادرة أدبه وبمنع أعماله وبالسباب والإنكار، حتى تأتي هذه الرواية الساخرة القصيرة العميقة في فنتازيا مؤلمة، كدليل قائم على نزاهة مؤلفها، والتي لم تر النور إلا بعد ستين عاماً من كتابتها. يموت بولغاكوف شاباً بقصور كلوي، حيث أدمن فترة من حياته مادة المورفين متأثراً بها كعلاج كان يُسعف بها مرضاه، وقد ألفّ بها رواية تحمل اسم المادة. ومما يجدر به الذكر، إنتاج فيلم سينمائي بعنوان الرواية (Heart of a Dog) عام 1988، في إشارة إلى جدارة المؤلف الروسي لرفع راية وطنه الأدبية جنباً إلى جنب أقرانه، أنطوان تشيكوف وفيودور دوستوفيسكي وليو تولستوي.

ومن الرواية التي عني بترجمتهامن لغتها الأصلية (Сердце собаки – By: Михаил Афанасьевич Булгаков) الروائي والمترجم السوري (د. نوفل نيوف)، والتي استقطعت ثلاث نجمات من رصيد أنجمي الخماسي، أعرض مقتطفات مما علق في ذهني منها، وباقتباس في نص ثقيل (مع كامل الاحترام لحقوق النشر):

يراقب د. بريوبراجنسكي خلال الأيام الأولى تطوّر حال مريضه الكلب بعد عملية أنسنته، من خلال عملياته الحيوية في النبض والقلب والتنفس والحرارة والبؤبؤ، حتى إذا ما تمكّن من التحرك ثم الذهاب والإياب في الممرات وقد بدى ككائن “سبّاب بذيء سافر”، يأخذ في نطق كلمات كثيرة، مثل: “حوذي، لا يوجد أماكن، الجريدة المسائية، أفضل هدية للأطفال، وجميع كلمات السباب الموجودة في اللغة الروسية”. وبينما يعتني الجرّاح به أيما عناية أثناء فترة نقاهته وتحديداً بجودة طعامه، لا يوصيه وحسب بثلاثية الغذاء الصحي، في ماذا وكيف ومتى يأكل، بل في طقوس أخرى لا بد من أخذها بعين الاعتبار، فيوصيه ضمن ما يوصي قائلاً: “لا تتحدث أثناء الطعام عن البلشفية وعن الطب، وإياك -حفظك الله- أن تقرأ قبل الغداء جرائد سوفييتية”. ويضرب له مثلاً بالمرضى الذين أخضعهم قسراً لتجربة قراءة الجرائد، حيث انخفضت أوزانهم، بل أصبحت لديهم “استجابات ضعيفة في الركب وانعدام شهية وحالة انقباض روحي”.

يرد على لسان أحد أبطال الرواية نصاً ثقيلاً في تردي وضع الوطن والمواطن الذي وإن اتخذ هيئة الطابع العام، فإن مكمنه يعود إلى الأجندة المعدّة له مسبقاً، إذ يقول: “وإذا كنت حين أدخل إلى المرحاض، واعذرني على هذا التعبير، سأبدأ أبول قرب الحوض، وستفعل الشيء نفسه كل من زينا وداريا بتروفنا، فلا بد أن يبدأ الخراب في المرحاض. وبالتالي، فإن الخراب ليس في المجارير وإنما في الرؤوس. إذاً، فعندما يرفع هؤلاء عقيرتهم قائلين: (اضرب الخراب) فإنني أضحك .. أقسم لك أنه لشيء يضحكني. هذا يعني أن كل واحد منهم يجب أن يصفع نفسه على قذالة! وهكذا، عندما ينفض البروليتاري عن نفسه جميع الهلوسات ويشرع بتنظيف الحظائر ـ وهذا عمله المباشر- فإن الخراب سيزول من تلقاء نفسه. فلا يمكن عبادة إلهين! إذ من المستحيل القيام في وقت واحد بتنظيف سكك الترام وبتدبر مصائر بؤساء إسبان ما! إن ذلك لا يتاح لأحد يا دكتور، ولا سيما للناس الذين هم بالجملة، فضلاً عن تخلفهم في التطور عن الأوربيين قرابة مائتي سنة .. مازالوا حتى الآن لا يحسنون تزرير بناطيلهم بثقة تامة”.

لم ترمز تلك (العملية الجراحية) الجنونية سوى لعملية تحويل الإمبراطورية الروسية من الملكية إلى اتحادية سوفيتية تعتمد على المبادئ الماركسية وتُدار عن طريق الأحزاب الشيوعية، ولم يكن (الكلب الإنسي) سوى كناية عن الطبقة المعدمة التي أصبح لها عقب الثورة الأهلية حقوقاً تتمتّع بها ومطالب تفتقر معها إلى الأهلية العلمية والخلفية السياسية وقيّم ضبط النفس، غير أن (الجرّاح) قد مثّل الطبقة البرجوازية التي كان لها اليد الطولى في الأحزاب الحاكمة، وما يتبعها من سلطة في تشكيل مصير الشعوب التي -علاوة على جهلها- تنهشّ بفكّها القوي ما أن امتدت إليها يد السلطة بقبضة مشرط الجرّاح. فيبرز السؤال المحيّر الذي يرفع به الكلب عقيرته مع خواتيم الرواية، وقبل إعادته إلى أصله بفعل نفس المشرط، حيث يتساءل في حيرة وقد استمر توبيخ الجرّاح له في صرامة عمّا يأتي به من أفعال شائنة في كل مكان: “مالك تمنعني؟ تارة لا تبصق وتارة لا تدخن ولا تذهب إلى المكان الفلاني .. فما هذا بالفعل؟ كما في حافلة الترام عيناً! هل رجوتك يا ترى أن تجري لي عملية؟ نبح الإنسان بانزعاج. أمر جميل! اصطادوا حيواناً فشقوا رأسه بالسكين، ثم ها هم يتقزّزون الآن. أعتقد أنني لم أعط موافقتي على العملية، شأني شأن أهلي أيضاً. ربما يكون من حقي أن أقيم دعوى”.

تبقى معضلة الإجابة عن هذا السؤال الوجودي محل تقدير القارئ الحاذق: أتقع اللائمة على الكلب أم على الجرّاح؟

 

تم نشر المراجعة على صحيفة المشرق العراقية في 30 نوفمبر 2022 – صفحة (10)

 

= = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = =

من الذاكرة: جاء تسلسل الرواية (37) ضمن قائمة من (52) كتاب قرأتهم في عام 2018 تتضمن كتابين لم أتم قراءتهما، وهي آخر ما قرأت في شهر أكتوبر من بين خمسة كتب .. وقد حصلت عليها وقد حصلت عليه من متجر نيل وفرات الإلكتروني للكتب العربية في بداية نفس العام ضمن (20) كتاب تقريباً كانوا حصيلة مشترياتي من تلك الشحنة.

تسلسل الرواية على المدونة: 113

 

تاريخ النشر: مارس 13, 2022

عدد القراءات:1139 قراءة

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *