في البدايات
مع النصف الثاني من عام 2010
تزورني الشقيقة
وتلازمني
حتى وقت تدوين هذه المذكّرات
وكأن عليّ لزاماً أن أقبل رفقتها
وأن أتعايش مكرهة معها
وكأنها قدر لن أفر منه
وكأنها الموت الذي يوماً
إما سُيجبر الدماغ على النوم الأبدي
أو القلب على الانفصال
زارتني في البدايات
بعد موقف لم أكن لأنتبه حين واجهته
أنه أصل العلل
موقف تحديته بكل ما أوتيت من كبرياء
لكن لم أتغلب عليه وا أسفاه
حتى تكررت نسخه
وتبدّلت أشباهه
وتغوّلت وحوشه
وطوقني
وكنت أتحداه بعنف وإصرار
ولا أزال
فكبريائي هو الكبرياء
والحرباء يبدّل ألوان الخبث على جلده
لكنه موقف
خلّف لي ركامه اليوم
بعد مرور الأعوام وتبدّل الأحوال
فيما يشق الرأس متعرّجاً إلى أنصاف
إنها الشقيقة
تتهتّك هناك ..
في ألم الرأس النابض
في قصف الرعد المفاجئ
في الخدر المصاحب
في تلاعب النوبات
في أي حديث كان
في الهمس الذي يصبح ضوضاء
في العتمة التي أجدها ملاذ
في الهدوء الذي ألجأ إليه فتتراءى لي الأشباح
في الصمت الذي أعود إليه فيضج في رأسي السجال
في التشنّج
في التشقق
في التصدّع
في الضباب
في الدوار
في لون السواد
في سوء المزاج
في بطء الدقائق وثقل الأفكار
في كآبة المَرائي وأشباه الأمنيات
في منام ككتم ككبت كممات
كلها .. فقط .. في نصف من الصداع!.
وعندما
غادرت لاستكمال العلم
ومكثت أعواماً في مدينة الضباب
لم تعرف لي الشقيقة طريق
وكأنها سلتني
أو أعتقتني
أو أضاعتني
على الرغم من أن كان لها عندي حساب
فحرصت على حمل ما يلزم من دواء
تحسّباً لمباغتة النوبات
كم كان طريفاً أنها عاودتني ما أن رجعت للديار
وكم كان عجيباً أنني كنت في اشتياق للديار
وفي مرض الحنين للديار
أثناء تلك الأعوام
في مدينة الضباب
غير أن أسرار النفس أشدّ عجباً
واللاوعي يترجم فاضحاً كل تلك الأسرار
ثم أعود للعمل الذي رغم جحيمه
كان يدفعني للإخلاص
والصدق
والجد
والحماس
وما ازدهر حينها
من أهداف الحياة
فتزورني الشقيقة
متى ما توازنت معادلة بثلاث
عمل يستنزف عمل الدماغ
مقابل الفتات من القوت
ونوم فقط لخمس ساعات
وتلك الشقيقة العزيزة
وركام الزلازل الذي تراكم في اللاوعي
كان كفيلاً
متى ما هزّه موقف استجد وهيّج الغيلان
أن يشق مسارات جديدة
فوق تلك المحفورة
على مفارق رأسي
فيما مضى وكان
لم أكن لأتصور يوماً أن أجدني ممددة
فوق فراش أبيض
وتحت أغطية بيضاء
وأشباح في لونها تحوم من حولي
والتي ما كانت في عيني
سوى كالحة
في السحنة والنية
وأطياف لأشياء
لا يريد عقلي أن يستوعب ما شأنها
ولا قلبي مني اقترابها
فوجدت نفسي في يوم عارض من عام 2015
غارقة في ذلك البياض
وأسلاك تتصل بذراعي
تتدلى من فوق رأسي
وتتسرب ببطء في مسارات
…♥
ثم وفي سبتمبر من عام 2022
عاودت النوم فوق ذلك البياض
ومن تحت ذلك البياض
بعد أن استسلمت لواقع مفروض
وأمر ممقوت
وعاينت تقاسيم وجهي
في المرآة لخمسة أيام
ولم أعرف أن كان هو
أو قد تراءى لي سراب وجه آخر غطّاه
…♥
وبعده بعشرة أيام
في أكتوبر .. في يوم الميلاد
وقد تمنيت في ذكراه
أن أموت وأحيا من جديد
عاودت زيارة ذلك المرقد من البياض
وقد أمّلت من بعده
ألا أعود أبداً
وقد زاد من ألمي
أحد المتشحين بذلك الأغبر من البياض
حد البكّاء
…♥
لكنني بعد
لم أنل ما رجوت
فعدت في مارس من عام 2023
واستسلمت للّفائف البيضاء من جديد
بعد أن تغاضيت عن شقيقتي
لأيام ست
وساقي تسحب الأخرى
وقوم بني الأبيض هناك
يقدحون الشرار
بين الشقوق من جديد
لكنني في هذه المرة
رحلت في هدوء
وعدت إلى أوراقي .. أوراق التدوين
وركنت في زاوية من مقصورتي
كيس الشفاء
إلى جانب كومة قديمة
من أكياس الشفاء
علّني إليها لا أعود
وعلّ الرجاء في هذه المرة يصدق
وأنجو
فلعله البُرء
أو لعله القصاص
أو لعله الرحيل آت
…♥
وبعد هذا بشهر
في رمضان من نفس العام
وقبله بأيام
تعاودني شقيقتي
وتلازمني في عبادتي الصوم والصيام
فأصبر
لعله صبر يعقبه فرج
وأحتسب بها طويلاً
وأسلوها فترحل
ولا تسلوني هي
حتى تعود في نهايته
وكأنها تريد توديعي
وكأنها تريد عدلاً
فيومين في بدايته
ويومين في النهاية
ما فعلت الشقيقة بروحي؟
إن رأسي يتصدّع في داخله
والضباب يتكثّف في أعلاه
وإن الروح يكسوها موت ثقيل
والقلب يخفت نبضه
كأنه محط لموطئ فيل
وهناك نمل كثير كثير
يدبّ بين التلافيف
فيحيلها إلى إسفنج هش
لا يقوى على الحس والحركة والتفكير
والأطراف على الأطراف ببطء تتآكل
فلا ذاك شلل ولا تلك تسير
وإذا كانت النفوس كباراً
تعبت في مرادها الأجسام
وإن الشقيقة محلها الرأس
والرأس رمز الكبرياء
وإنني لجبّارة
كما الشجر الذي يسمح للريح بالمرور
لا يعني انكساراً
ولا يقبل الإنحناء
والذي إن مات
مات وحيداً
صامتاً
واقفاً في كبرياء
……………………………♥