الكتاب
ذلك المريض: عن مرضى غيروا حياة أطبائهم للأبد
المؤلف
الكتاب باللغة الأصلية
Die ene patiënt - By: Ellen de Visser
المترجم/المحقق
نهال نور
دار النشر
العربي للنشر والتوزيع
الطبعة
(2) 2022
عدد الصفحات
280
النوع
ورقي
تاريخ القراءة
10/27/2024
التصنيف
الموضوع
المريض كإنسان .. والطبيب المعالج كذلك
درجة التقييم

ذلك المريض: عن مرضى غيروا حياة أطبائهم للأبد

يضم الكتاب بين دفتيه مجموعة قصص حقيقية عن مرضى وردت هذه المرة على ألسنة أطبائهم المعالجين، الذين رغم مرور السنين وتوالي المرضى بأجناسهم وأعمارهم وأمراضهم، لم يتمكنوا من نسيانهم، بل حفروا بما أثروا، عميقاً في أرواحهم، وساهموا بدرجة جوهرية في تشكيل حياتهم فيما بعد!

تضع الكتاب صحفية هولندية، وذلك بعد أن تجمّع لديها قدر من قصص وردت إلى بريدها، حيث بدأت في صيف 2017 بدعوى أطباء المشاركة في ملء سلسلة من الأعمدة تم تخصيصها للحديث عن “مرضى تركوا علامة في حياتهم وعلموهم دروساً قيّمة”، وقد كانت توقعاتها وزملائها ألا يتجاوز عدد القصص ستة، وهي تبرر تواضع هذا التوقع قائلة: “ظننا حينها أنه من الصعب أن نجد ستة أطباء على استعداد لمقابلتنا وحكي قصصهم الشخصية” .. غير أنها أصبحت فيما بعد تقول عنهم: “إنهم يتوقون إلى حكي تجاربهم التي كانوا فيها الطرف الأضعف مهنياً في تعاملهم مع المرضى، وهي الحالة التي لا تنفك تدهشني أسبوعاً تلو الآخر” كما صرحت في مقدمة كتابها. أما عن فكرة العمود، فقد استلهمتها من طبيب زوج أختها الذي حرص على تقديم واجب العزاء في جنازته، بعد أن استئذن فترة الظهيرة من عمله، وقد اعتبره “مريض أصبح صديقه .. وأنه تعلم منه الكثير” حسب تعبيره!

ومن المجموعة التي استقطعت ثلاثاً من رصيد أنجمي الخماسي، وجاءت في ترجمة متقنة من النص الأصلي (Die ene patiënt – By: Ellen de Visser)، أستقطع ما علق في وجداني، وأقتبس في نص نابض (مع كامل الاحترام لحقوق النشر):

  • في (حرب)، تعاين الممارسة العامة (سيلما موجيندورف) المريض المسن ضخم البنية الذي ينتمي للنوع الذي لا يتردد على المستشفيات إلا نادراً، حيث إن “كل شيء سيكون على ما يرام” في رأيه ما طرأ عليه عارض مرضي، وقد أخبرها يوماً أنه شارك في الحرب العالمية الثانية. ثم تبدأ بزياراتها المنزلية وقد أصيب بحالة شديدة من الخرف وفقد السيطرة على ذكرياته التي عادت للوراء كثيراً، حيث أخذ به نوع من الخوف البدائي على هيئة بكاء وصراخ، وحيث تراه يوماً وهو يسترجع مشاهد الحرب وتبدو عليه أمارات الذعر والألم والشعور العميق بالذنب، ويقول صائحاً: “رباه رباه، كلا لا يمكن! هؤلاء ليسوا بشرا بل جثث! يا للإنسانية. ماذا سنفعل؟ يا شباب ماذا سنفعل؟”. تخبرها زوجته أنه لم ينبس لها ببنت شفة ولو لمرة عن الفترة التي خاضها في الحرب، بل كان يتخفّى وراء ابتسامة طالما أنقذته، لكنها لم تعد تجدِ نفعاً الآن! تقول الممارسة عما علّمها: “الآن أدرك أن المرضى لا يظهرون مشاعرهم الحقيقية طوال الوقت، بل إن سلوكياتهم قد تطغى على بعض المشاعر الأليمة. قد تشير السلوكيات البغيضة أو المزعجة إلى القلق أو الحزن أيضاً. صرت أكثر اهتماماً بسلوكيات الناس منذ تجربتي مع ذلك المريض، وأسأل نفسي: لماذا يتصرفون هكذا؟”.
  • في (كبار وصغار)، يتحدث الممرض (تومي نيسين) عن المريض المسن الذي كان يرعاه ومات في فشل كلوي، والذي كان يجالسه أسبوعياً ليشرب الشاي معه، ويتجاذب معه أطراف الحديث، والذي كان حديث عميق ومؤثر في النفس والحب والحياة. فينقل عنه حكمته قائلاً: “إن الإنسان عندما يكبر سناً، يبدأ في تأمل حياته، ويدرك أنه كان عليه التوقف ليستمتع بلحظات ما بدلاً من السعي وراء ما يريده طوال الوقت”. أما عما تعلّم منه، فيقول: “علمني أن أرضى بما لديّ، وكان ينصحني أن أشعر بالامتنان للأشياء البسيطة في الحياة”. يقول بعد ذلك: “احتفظت ببطاقة عزائه وعليها آية من الإنجيل تقول: (نحن لا شيء من دون الحب)”.
  • في (خائف من الموت)، تنهار الطبيبة النفسية (آن سبيكينز) بعد تلقيها نبأ وفاة المريض الشاب المصاب بضيق في التنفس، والذي عاينته بالأمس ووصفت له دواءً مهدئاً، حيث كان هلعاً من احتمالية موته بعد نومه، وعدم قدرته على رؤية زوجته وأطفاله ثانية! لقد كان هذا الحادث على درجة بالغة من التأثير على الطبيبة وقد كانت حينها تحت التدريب، وقد شعرت بدرجة خذلانها له حين توقع وقوف أحد بجانبه أثناء شعوره بدنو أجله. فتقول عن هذه التجربة المبكرة: “نتعلم كيف تساعد الناس على الحياة كأطباء بشكل عام، ولكن قليلاً ما نتعلم كيف نساعدهم فيما يتعلق بالموت! نفضل ألا نتحدث عن الموضوع حتى في مجال الطب النفسي. إن الاعتراف باحتمالية الموت يعني أن تستمع إلى معادلة الآخرين، ويتطلب منك أن تعترف أن الحياة لها نهاية. لقد تحسنت الأوضاع كثيراً منذ كنت تحت التمرين، ولكن لا يزال الأطباء الشباب في حاجة إلى الكثير من الدعم كيلا ينهاروا أمام أول مريض يواجه الموت كما انهرت أنا“.
  • في (الكلمة الأخيرة)، يتوقع أخصائي رئة أطفال (كورز فان دير إنت) موت طفل يعاني من متلازمة داون، كان يحارب الموت لأيام في الحاضنة وهو تحت التنفس الاصطناعي، إضافة إلى العدوى الحادة التي أصيب بها بعد أيام من ولادته، ويطمئن على الطفل الذي تم إسعافه بعد سقوطه في بركة مياه في حديقة منزل جديه الخلفية، وقد كان كذلك تحت التنفس الاصطناعي. يعترف فيما بعد بأن هذان الطفلان قد لقناه درساً، إذ يقول: يظن الأطباء الجدد عادة أن بيدهم أن يغيروا حياة المرضى، وأن العلاجات والأدوية والعمليات تحدث تأثيراً، وأن أفعالهم لها أهمية. ولكن تدريجيا يتضح لهم أنهم ليسوا بهذه القوة، وأنهم لا يستطيعون رسم مسار الأحداث. بذلنا قصارى جهدنا مع الولد الأول رغم أنه بدا بلا فائدة، ولكنه عاش، أما الثاني فبذلنا معه قصارى جهدنا أيضاً، ولكن حدث العكس. هذه هي الحقيقة التي يواجهها الأطباء. لدينا ترسانة من الأدوات لمساعدة المرضى، وبالتأكيد نساعدهم، ولكن أحياناً تستمر الحياة عكس توقعاتنا، أو تنسل من بين أصابعنا، ومن المستحيل التنبؤ بالمستقبل”. وعن الدرس المستفاد، يتوجه به لزملائه قائلاً: “يجب على الأطباء الجدد أن يدركوا أن للطب سيطرة محدودة على الحياة، وهذان الولدان هما من لقناني هذا الدرس! الفضل يعود إليهما في معرفتي قدر نفسي. أثبتا لي أن لله الكلمة الأخيرة فيما يتعلق بالحياة والموت، وأننا يجب أن نعمل بقدر من التواضع“.

وبينما نقول الصحفية: “لدى كل طبيب في العالم قصة” .. أقول ختاماً: إنها قصص مثقلة بكل ما هو إنساني، تتجاوز ما هو أبعد من المرض، كحد فاصل بين الموت والحياة!

 

= = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = =

نقلاً عن المفكرة: جاء تسلسل الكتاب (114) ضمن قائمة لا تنتهي من الكتب التي خصصتها لعام 2024، وهو في الترتيب (14) ضمن ما قرأت في أكتوبر! أما عن اقتنائه، فقد حصلت عليه من معرض للكتاب في إحدى المدن العربية عام 2023 ضمن (400) كتاب كانوا حصيلة مشترياتي من ذلك المعرض!

ومن فعاليات الشهر: لا شيء سوى مواصلة النهار بالليل في القراءة وحدها .. وكأنه حلم تحقق!

ومن الكتب التي قرأتها في هذا الشهر: إيروتيكا الشعر الصيني / الشوك والقرنفل / هكذا أكتب / هكذا أفكر / تأملات في شقاء العرب / الحب هو الحقيقة الوحيدة / التدرب على السبيل: نحو حياة ذات معنى / المختطفات: شهادات من فتيات بوكو حرام 

وعلى رف (الصحة العامة) في مكتبتي عدد جيد من الإصدارات، منها قديم انتقل من مكتبة العائلة العريقة … ومنها ما نشرت على مدونتي!

تسلسل الكتاب على المدونة: 564

تاريخ النشر: نوفمبر 1, 2024

عدد القراءات:128 قراءة

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *