الكتاب
الأحلام المشرقية: بورخيس في متاهات ألف ليلة وليلة
المؤلف
دار النشر
دار بتانة للنشر والتوزيع
الطبعة
(2) 2020
عدد الصفحات
148
النوع
ورقي
تاريخ القراءة
08/28/2022
التصنيف
الموضوع
الشرق في قلب أديب أرجنتيني
درجة التقييم

الأحلام المشرقية: بورخيس في متاهات ألف ليلة وليلة

كتاب يأتي بمثابة دراسة مصغرة عن الأديب العالمي بورخيس وأعماله معاً، عني بها الكاتب والشاعر اللبناني (عيسى مخلوف) الحاصل على درجة الدكتوراة من جامعة السوربون .. حيث يتناول فيها جانباً من سيرة الأديب كمطّلع متعمق على أعماله، والتي أضفى عليها بطبيعة الحال شيء من انطباعاته الشخصية وتحليلاته الأدبية، لا سيما وقد التقاه عام 1980 في الفندق الذي كان يقطنه أثناء إقامته في باريس، وقد كان حينها يبلغ الثمانين عاماً! لذا، يضمّن الكاتب هذه الدراسة ترجمة لبعض أشعاره، واقتباسات لبعض أقواله، مع سرد عدد من المواقف التي جاءت إما بقلمه أو على لسانه، وهو يستلهم رؤاه المتوارية بين طيّات سيرته!

بداية، لا بد لأي قارئ عربي يقرأ بورخيس للمرة الأولى أو لمرات عدة، أن يطيب له معشره .. أولاً لشخصه، وقد بدى عالمياً في روحه، متواضعاً في حديثه مع الآخرين، ومقدّراً لكل ما من شأنه إثراء الإرث الإنساني .. وثانياً لأعماله ورؤاه وموسوعيته الثقافية، حيث مكّنه إتقانه للإنجليزية والفرنسية والإيطالية والألمانية إضافة إلى لغته الأم، من تشكيل حصيلة ثقافية عالية القيمة من مختلف الثقافات، والتي وظّفها بدورها في أعماله ومقالاته ومحاضراته على تنوع مجالاتها الأدبية والشعرية والنقدية، إضافة إلى ما كان يتطرق إليه عادة من آراء في الفلسفة والأديان والأنثروبولوجيا.

إنه إذاً خورخي لويس بورخيس (1899 : 1986)، الكاتب الأرجنتيني المولد السويسري الإقامة. اشتهر بإصداراته في الأدب والنقد والشعر والقصة وكتابة المقالات، وإعداد مقدمات الكتب، وتأليف المسرحيات، إضافة إلى إسهاماته في ترجمة بعض الأعمال الإنجليزية والفرنسية والألمانية والإسكندنافية، إلى الإسبانية، وقد حصل على عدد من الجوائز والتكريمات العالمية، كما تُرجمت بعض أعماله إلى العربية، منها: كتاب (نافذة العرب على العالم) .. كما تنقل عنه في ذلك شبكة المعلومات. يُعرف عنه أيضاً إقباله على تعلّم اللغة العربية في آخر حياته مستعيناً بمعلم عربي، وذلك لرغبته في إعادة قراءة (ألف ليلة وليلة) من نصّها الأصلي، والتي كان قد فُتن بها منذ صغره.

ومن الكتاب الذي نال أربعاً من رصيد أنجمي الخماسي، أعرض ما جال في خاطري بعد القراءة، وباقتباس في نص ملهم (مع كامل الاحترام لحقوق النشر):

  • يأخذ سحر الشرق بلبّ بورخيس الذي اعتبر تحفة (ألف ليلة وليلة) العربية، إحدى أمهات التراث العالمي في تاريخ الأدب الإنساني، والذي ينقل عنه الكاتب قصيدته (استعارات ألف ليلة وليلة) التي جاء في أحد نصوصها:

تقول العرب:

ليس في مقدور أحد

إتمام قراءة (كتاب الليالي)

الليالي هي الزمن

ذاك الذي لا ينام

واصل القراءة بينما يموت النهار

هناك حيث تروي شهرزاد حكايتك

  • لا يكترث بورخيس لحادثة إحراق مكتبة الإسكندرية الضخمة التي وقعت فترة ما قبل الميلاد كما توردها الكتب الغابرة، بل يبدو تفاؤلياً إلى حد كتابة قصيدة من وحيها وإهدائها إلى حارقها يوليوس قيصر .. ذلك أن المكتبة في نظره “هي ذاكرة الكلمات، وتحتوي على القصائد كلها والأحلام كلها ومخيلات الجنس البشري! إذا أحرقت وتحولت كتبها رماداً، سيأتي زمان آخر يُعاد تأليفها من جديد .. ولا شيء يضيع”. يقول في مقطع من تلك القصيدة:

يؤكد الكفار أن المكتبة إذا ما احترقت

يحترق التاريخ، وهم مخطئون

من صحو البشر تولد الكتب اللانهائية

وإذا ما بقي من الكتب كلها، كتاب واحد

يعيد البشر ثانية كتابة كل صفحة وكل سطر

كل عمل وكل علاقة حب قام بها هرقل

كل أمثولة من كل مخطوطة

في القرن الأول للهجرة

أنا، عُمر الذي قهر الفرس

وفرض الإسلام على الأرض

آمر جنودي

بحرق المكتبة الفسيحة

المكتبة التي لا تموت

حمدا لله الذي لا يغمض له جفن

ولرسوله محمد

  • وفي (ابن رشد واقتفاء المعنى)، يروي بورخيس “حكاية إخفاق” راح ضحيتها فيلسوف قرطبة، الذي انغلق عليه مصطلحي (التراجيديا) و (الكوميديا) كما وردتا في الترجمات العربية لأحد مؤلفات أرسطو، حيث عني بشروحات فلسفته، في الوقت الذي كان يعكف فيه على كتابه (تهافت التهافت) رداً على كتاب (تهافت الفلاسفة). وعلى الرغم من بحثه المضن في الكتب التي أعيته، ومنظر الصبية الشبه عراة الذين شاهدهم من شرفته في الباحة الترابية يحاكون الأعمال المسرحية في تمثيلهم لدور المؤذن الذي يرتقي ظهر صاحبه والآخر الساجد، وقد اعتبره مجرد لهو لا سيما وهم يتجادلون بلغة إسبانية فظّة، وتعليق أحد ضيوفه على رواية أحدهم الذي ذهب إلى الصين وشاهد الصينيين هناك يرتدون الأقنعة ويدقون الطبول ويتقلدون سيوف من قصب يموتون ثم يبعثون أحياء وهم يمتطون أحصنة غير مرئية، بأنها ليست سوى أفعال المجانين .. جاهلين بالفن المسرحي القائم على التراجيديا والكوميديا .. فقد خلص حينها ابن رشد: “وأضاف إلى مخطوطته بخط ثابت ومتقن هذه الأسطر: يسمي أرسطو (تراجيديا) المدائح، و (كوميديا) الهجاء واللعنة! هناك صفحات رائعة من (الكوميديا) و (التراجيديا) يزخر بها القرآن ومعلقات الحرم”.

وعن سيرة بورخيس الأدبية، فقد تعرّفت عليها ابتداءً من خلال كتب مواطنه، الأديب العالمي ألبرتو مانغويل -الأرجنتيني الأصل الكندي الجنسية- الذي ذاع صيته في العشرين عاماً الماضية كمترجم وروائي وكاتب مقالات، والذي حالفه الحظ -كما يقول- بأن يتتلمذ على يد الأديب لويس بورخيس، وهو أحد أبرز أدباء القرن العشرين.

وبينما أختم بما يُنقل من خواطر بورخيس عن شغفه بالكتب، حين قال: “لقد تخيّلت الجنة دائماً على شكل مكتبة! آخرون تخيّلوها على شكل حديقة أو قصر” .. فأنا أتخيل المكتبة (لا الجنة) تطفو فوق الغمام الأبيض، باتساع الأفق، المظلل لقصر الحديقة .. في تلك الجنة!.

 

= = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = =

نقلاً عن المفكرة: لقد حصلت على هذا الكتاب من متجر (بيت الكتب) الإلكتروني، ضمن أكثر من (120) كتاب كانوا حصيلة مشترياتي من تلك الشحنة!

وللكاتب الأرجنتيني بورخيس على مكتبتي: الألف / متعة الأدب … لم اقرأهما بعد، لكنني قرأت كتاب (بورخيس وأنا) الذي يتناول سيرته!

تسلسل الكتاب على المدونة: 349

تاريخ النشر: أغسطس 29, 2022

عدد القراءات:854 قراءة

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *