الغيرة والخيانة

كما جاء في مقدمة المؤلف، فهذا الكتاب هو الجزء الثالث من سلسلة (المرأة والطب النفسي) التي وضعها، حيث جاء الجزء الأول بعنوان (حياتي عذاب) والجزء الثاني بعنوان (امرأة في محنة)! وبما أنني قرأت الجزء الأول من هذه السلسة والثالث الذي بين أيدينا متجاوزة الثاني رغم احتواء مكتبتي عليه، فقد وجدتهما لا يختلفان في صيغة المبالغة التي أحاطت بكيان المرأة جسداً ونفساً وعقلاً وعاطفة، فضلاً عن الآراء التي لم يسعفها رأي علمي، بل ظهرت كإسقاط نفسي لعقلية ذكورية صرفة!

فينقسم هذا الكتاب بدوره إلى جزئين رئيسيين حسب عنوانه، احتل الأول عنوان (امرأة غيورة) والثاني (امرأة خائنة)! وبينما طفح الأول بكمّ من هراء سفّه فيه المؤلف دور المرأة في الحياة، بحيث جعل “القضية الأولى في حياة المرأة السوية هي الحب .. أو هكذا خُلقت”، عامداً -كعادة الذكوريين- إلى (تزوييق) هذه المقولة العصماء بأصباغ (الفطرة والغريزة والحس والنبع والارتواء والإعجاز والفلسفة والوجود والخلق والخالق …..)، جاء الجزء الثاني على قدر من الموضوعية والتحليل النفسي المطلوب.

أقول هذا بأسى، وقد قرأت للمؤلف سابقاً إصدارات عديدة، والتي رغم قصرها غزيرة الفائدة. فمن هو؟!

إنه د. عادل صادق (1943 : 2004). تعلّم وتخرج في كلية الطب عام 1966 نزولاً على رغبة والده، رغم ميله نحو الأدب والفن الموسيقى، ثم حصل على درجة الدكتوراة في الأمراض العصبية والنفسية عام 1973، وعمل أستاذاً للطب النفسي والأعصاب بكلية طب عين شمس. شغل مناصب أخرى منها رئيس تحرير مجلة الجديد في الطب النفسي، وأمين عام اتحاد الأطباء النفسيين العرب، وافتتح عام 2000 مستشفى يحمل اسمه لعلاج الإدمان والأمراض النفسية لا تزال تمتد شهرته على مستوى الشرق الأوسط. عُرف بالنبوغ منذ صغره وبدماثة الأخلاق وإخلاصه للعمل وسعيه الحثيث نحو رفع وعي المجتمع بالمرض النفسي وسبل علاجه، وذلك من خلال مؤلفاته وأبحاثه التي تجاوزت الثلاثين إصدار، والتي أهلّته عام 1990 للحصول على جائزة الدولة في تبسيط العلوم.

إن قارب الحب الذي يجمع بين اثنين ينصب فيه تفكير كل واحد منهما على الآخر ويصبح موضع اهتمامه، قد يهزّه برفق ريح الغيرة التي إن كانت طبيعية تكون بمثابة “موجة شقية”، بينما تكون مرضية أو حسب تعبير المؤلف “الغيرة المشكلة” حين تعصف بالقارب وتشدّه إلى قاع اليأس كدوامة عاتية .. وإذا كانت “الغيرة ألم” فإن “الخيانة عذاب”. وبما أن هذا الكتاب اختص بالمرأة ضمن هذين الاضطرابين، يؤكد المؤلف على أن أهم ملامح (المرأة الغيورة) هي: الشعور بالنقص، الشعور بالاضطهاد، حب التملّك، حب السيطرة، الأنانية، الخوف، هزيمة الذات، عدم تحمّل المسئولية .. في حين تتحدد أنماط (المرأة الخائنة) في: البغائي، الأوديبي، الهستيري، السيكوباتي، الرواثي، البيئي، الهوسي، الفصامي، الدوري.

ومن الكتاب الذي استقطع اثنتان من رصيد أنجمي الخماسي، أقتبس (مع كامل الاحترام لحقوق النشر) ما جاء في مقدمة الجزء الثاني من رأي حول حادثة الإفك الشهيرة التي ينقلها التراث الإسلامي في حق السيدة عائشة أم المؤمنين، حين كانت أدلة الاتهام دامغة، بينما لم تكن الحقيقة كذلك على الإطلاق:

“هذه الحادثة تعلمنا أن إجماع نفر أو فريق من الناس على شيء لا يجعل من هذا الشيء حقيقة مؤكدة لا تقبل الفحص والتمحيص .. فالإجماع قد يكون على باطل لضعف في النفوس، أو لضعف في العقول! فضعف النفوس يجعلها تختلق الباطل وتزينه بحواش من أحداث مفتعلة وأقوال كاذبة فتنخدع بها العقول الضعيفة، والعقول الضعيفة هي التي تخضع للاتجاه وتقبل بلا فحص أو مناقشة ما توصله لها حواسها. أما العقل القوى الواعي فهو الذي لا يخضع لهوى الجماعة وإن اتفقت وأقرت، ولا يستسلم لمنطق يكون دليل صدقه الوحيد تسلسل الأحداث بطريقة معينة. لكن الظروف والملابسات الناشئة عن الصدفة البحتة تسلسل الأحداث بطريقة لا تدع أمام الإنسان إلا منطقا واحداً وللأسف يكون منطقا باطلاً. وللأسف أيضاً فإن العقل الضعيف أو المحدود لا يستطيع أن يرى إلا في اتجاه واحد ولا يستطيع أن يقبل إلا منطقاً واحداً فرضته الصدفة حين أدت إلى تتابع الأحداث بصورة معينة“.

= = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = =

نقلاً عن المفكرة: جاء تسلسل الكتاب (135) ضمن قائمة لا تنتهي من الكتب التي خصصتها لعام 2024، وهو خامس ما قرأت في ديسمبر .. وقد حصلت عليه من معرض للكتاب في إحدى المدن العربية العام الماضي ضمن (400) كتاب كانوا حصيلة مشترياتي من ذلك المعرض!

ومن فعاليات الشهر: لا شيء سوى ملاحقة الساعات لإتمام قائمة القراءة .. والتي تطول عادة في آخر شهر من كل عام!

وللمؤلف قرأت أيضاً في هذا الشهر: سقوط رجل / من أنت؟ من أنا؟ من هو؟

وعلى رف (علم النفس) في مكتبتي عدد كبير من الإصدارات .. منها ما يعود لمكتبة العائلة العريقة، ومنها ما نشرت على مدونتي!

تسلسل الكتاب على المدونة: 585