وأقبل ديسمبر
إنه الشهر الذي يحمل البشر
يحمل غيوماً تغمر الروح بالدفء
وتحجب ذكريات صيف ثقيل
صيف مضى وأسقط بعده
جمرات تشتعل
لتنطفئ فوق مرج من ثلج
ونهر الجليد
وذاكرة ملتهبة
تضع عن كاهلها ذكريات مضت
لتستقبل ما يُحيي
من ذكريات الحنين
حنين يستيقظ مع أجراس المدينة
حين تدق
والشوارع التي ترقص
كالشمع
مع ترانيم الأهازيج
ولم لا يبسم القلب؟
ومن الشرفة
وعلى ضفة النهر المقابل
جليد اللازورد
تطرقه الريح بخفة
وهي تطوّق الناس
والحارات
ومزارع الياسمين
إنه الشهر المخيف!
أهو كذلك؟
أم إنه شهر أجمل الأيام
والأحداث
والأحلام
وشهر الوداع الذي يبدأ فيه الطريق؟
إنه شهر حصاد النجاح
شهر سُلو الأحزان
شهر ندف القطن
والثلج والشمع
والصوف والبرد
إنه شهر القرس الذي يحتضن بقسوة الأجساد
إنه شهر الحب الذي ينتشر
في الطرقات
من قال إن ديسمبر الشتاء كئيب؟
أ لتساقط ما تبقى من شجر الخريف؟
أ للحياة التي تبدو وكأنها فقدت البريق؟
والأرض التي باتت تنزلق
تحت ماء من جليد
وشمس مهاجرة
غربت
كانت تبدو وكأنها لا تغيب؟
إن هذا بحق
أجمل ما في ديسمبر
والوحدة
الرفيقة المخلصة
زينة الليالي
تتأجج كالذهب
وكأنها عن الحب بديل!
العشب يكتسي بلون الثلج
والحقل يرعى فوق أرض هشة
ومساء الليلك
يتلفّح بصندل المداخن
يراقص أنغامه العتيقة
ويحتضن رائحة الخبز
وأفران دفء
وقمح
وملح
وسنابل شرقية
في ديسمبر
يطفئ الثلج لهيب شمس الصيف
فيحلو لها أن تغفو
خلف سحب متراكمة
محملّة ببرد ومطر
وبمفكّرة
تنوء بأعباء ما قد مضى
وتستعد لتحظى من جديد
بآخر
وبجديد
إنه آخر فصل
وكأنه نضوج ما مضى من عام
تغسل أمطاره الطرقات
وتستهل قطراته الأخيرة
بداية عام
خضاب اليد في ديسمبر أزرق اللون
يرسم خطوط الحظ القادم
ويأخذ بأحلامه إلى البعيد
يرافق الشتاء والكتاب والحنين
الحنين الذي يتسلل رغم الأبواب المؤصدة
الحنين الذي يُصبح كالوطن
الحنين الذي يتمنى لو كان الحب
كشتاء ديسمبر
يقين
يأتي بالعلب
والهدايا
والدفء
وبليل غير حزين
في ديسمبر
تجتمع المناسبات
والأحداث
والأفكار
وتزهر ورود الذكريات
تتساقط كاللؤلؤ مع حبات الثلج
تبدو باردة في أولها
ثم تبتهج بهجة الليالي الساهرة
والأمسيات
في ديسمبر
تلمع الأضواء
وتزدان المحلات
وتجود السحب
ويروي الشجر القديم المطر
يهب ريح القمر
ويشتعل الحطب
وينهمر الحنين
يملأ الصدر برغبة قطف القمر
أهو حقاً الأخير؟
إن طيوره لا تزال تغني
إن مطره ينعش الأرض بعبق
إن حبات ثلجه تتراقص
تعاكسه بخجل أشعة شمس
تلّطف قسوة برده
وتتكسر كشظايا من نور
ترسم فوقه قوس قزح
إن ديسمبر أبيض كثلجه
إنه وديع كقطة الكوخ
إنه يقتفي أثر الظلام
ويرسم مع أضوائه الساطعة
اللمحة الأولى لعام جديد
وبريق أمل
وملامح من نضارة
لؤلؤتا تلك العينين
تغمر الروح بالدفء
كحبات مطر ديسمبر
وسحر اللقاء تحت لياليه
وأحلامه التي لا تنتهي
بل تبدأ معه من جديد
في ديسمبر
تلتقي الأمواج بغرام كان
يلاحقها
فتتحول إلى كثبان من ثلج وحنين
حنين يستيقظ
ويؤرق
ويُذهل عن كل الزوارق
والمرافئ
والشطآن
لا عجب!
إنه ديسمبر قد حان
ديسمبر يعني كتاب
يعني كأس وشراب
وقهوة سمراء
يعني بقايا حنين وذكريات
وأمل مفقود
ربما!
لكنه ها قد عاد
يجتاح المطر ما تبقى من خريف
وأشجاره النصف عارية
تصارع برد الريح
وكذلك يجتاح ديسمبر
حنين القلب
وأشجان الخريف
كيف لبرد ديسمبر أن يشعل في القلب
كل هذا الحريق؟
لم لا يطفئ ثلجه من الأعماق
نار الحنين؟
هل حقاً حين يهلّ ديسمبر
تنتهي كل الفصول
ويبدأ فصل اسمه الوحدة؟
هل يختزن ذكريات مؤلمة؟
هل لياليه مظلمة؟
هل تتجمد فيه الدموع؟
وتغيب كل الوجوه؟
هل الحاجة فيه إلى ثلج
ملّحة
أم تصبح أشد الحاجة فيه
إلى زهرة؟
عجباً
وكأن نصيب ديسمبر
الانهيار
ونصيب باقي الأشهر
القوة
1 .. 12 .. 2021
ما سبق .. نصوص استلهمتها مع نفحات الفجر ومع تباشير الشتاء في ديسمبر!
♥ .. همى الغيث .. ♥
مقطع سيمفونية الشتاء على قناة هماالغيث
فجأة يصبح لدماء القتلى قدسية لا تمس..تجهض اي محاولة للثأر أو الانتصار لحق الراقدين هناك للأبد ….
تعبيير جميل …..
نعم .. هكذا يرخص الإنسان في عالمنا!.
شكراً هالة