الكتاب
اغتصاب كان وأخواتها
المؤلف
المترجم/المحقق
خليل صويلح
دار النشر
دار نينوى للدراسات والنشر والتوزيع
الطبعة
(1) 2017
عدد الصفحات
100
النوع
ورقي
تاريخ القراءة
03/21/2024
التصنيف
الموضوع
نقد أدبي يسري في سيرة أديب
درجة التقييم

اغتصاب كان وأخواتها

كتاب أقرب إلى النقد الأدبي جاء في قالب سيرة ذاتية والتي عُرضت بدورها من خلال حوار صحفي أجراه محرر الكتاب مع الأديب والشاعر السوري (محمد الماغوط 1934 : 2006)، والذي تعرّف عليه ابتداءً في تسعينيات القرن الماضي من خلال صديق آخر للأديب رافقه لمنزله من أجل إجراء مقابلة صحفية معه، والطريف أنها سُجلت بسرية لعلمهما أن الأديب يرفض (الاستجواب). وقد جاء هذا الكتاب بعد أن توطدت العلاقة بين الأديب والمحرر ودار الحوار المكتوب بينهما.

يتحدث الماغوط بحديث يسير يظهر فيه على حقيقته ومن غير مواربة .. عن طفولته القاسية في الريف حين لم يُتم تعليمه بعد إنهائه المرحلة الابتدائية .. وعن أمه الجريئة والقوية ووالده القاسي والمسالم في نفس الوقت .. وعن زوجه (سنية صالح) التي عدّها أعظم أديبة عربية حُرمت من الفرصة التي أوتيت لغيرها من أديبات العرب، والتي عشقها حتى الثمالة وقد رحلت مبكراً، حيث قال في حقها: “كل النساء من بعدها نجوم تمر وتنطفئ وهي وحدها السماء” .. وعن الكتّاب والمفكرين والأدباء والشعراء في الشرق والغرب، القدماء والمعاصرين .. وعن سجنه الذي لم يمكث فيه طويلاً لكنه كان كفيلاً لجعله يرتاب من أي حركة تصدر حوله من هنا أو هناك ومع شعوره بأنه سيكون مستهدفاً دائماً لا سيما مع كل مقالة يكتبها، وقد صرّح أن “أول حرف متوهج كتبته كان في ظلام السجن البارد في منتصف الخمسينات” .. وعن الحرية والكلمة والصدق والأنظمة والمرتزقة والمتملقين وهموم الإنسان العربي .. وعن الوطن الذي رغم المدن التي تنقّل فيها، لا يضاهيه حب آخر.

يأتي عنوان الكتاب من المقدمة التعريفية التي خطّها المحرر بقلمه قبل نشر الحوار .. المقدمة التي لم تخلُ من سجع متكلّف بعض الشيء، وهو العنوان -الذي في رأيي- لم يعبّر عن جوهر الأديب ولا عن محتوى الحوار ككل، أكثر من محاولته استقطاب لا سيما ذوي الفضول، لما للتعبير المستخدم من فجاجة! يقول المحرر نصّاً قاصداً الأديب: وهو حين يكتب، إنما ينحني على الورقة البيضاء، كمن يريد نحر الكلمات بمبضع جرّاح، لا بل إنه يغتصب (كان وأخواتها) مستعيداً أكثر العبارات بهاءً ودهشةً وابتكاراً، فليس لديه جملة واحدة فائضة عن الحاجة، وكأنه يريد صفعنا جميعاً مثلما كان والده يصفعه في طفولته، فاللغة في مختبره الخاص هي أداة انتقام من كل أحزانه وآلامه، لذلك فهو يستنفر كل عناصرها ومفرداتها، مانحاً إياها نكهة الثمار الناضجة، لغة حامضة، تترك طعمها بين الأسنان“. لم يقف الحد عند الأديب وحسب، بل كان رفيقه الحميم (زكريا تامر) الحداد الشرس، متمرّداً بدوره على اللغة وعلى الحياة وعلى أمور أخرى كما بدى، حيث أنه الآخر “تحوّل إلى كتابة القصة وفضّ بكارتها بمطرقته اللغوية الحادة” حسب تعبير المحرر أيضاً.

يخلو الكتاب من فهرس، لكنه ضم بين جنبيه أحد عشرة موضوعاً، نال بها اثنتان من رصيد أنجمي الخماسي .. وهي:

  1. حطّاب الأشجار العالية
  2. نصوص متلبّسة بالجريمة الكاملة
  3. حساء الحرية المشتهاة
  4. شاعر بسلالة طوية من المريدين
  5. محمد الماغوط كان هنا قبل قليل
  6. مسقط الرأس: هناك حيث معتقل القرامطة والمتنبي والوحل
  7. سجن المزة أو متحف الرعب
  8. بيروت ومجلة (شعر) وتحديات الكتابة المضادة
  9. عصفور أحدب يستوطن غرفة بملايين الجدران
  10. من مقهى أبو شفيق إلى الشانزليزيه
  11. صور جانبية في خمسين مرآة

ومن الكتاب القصير، أقتطف ما راق لي باقتباس في نص صريح (مع كامل الاحترام لحقوق النشر) إضافة إلى ما سبق من الاقتباسات:

  • يغترب الأديب عن مدينته (السلمية) لأكثر من نصف قرن، ولكنها تبقى تسري في دمه ويخلّدها في قصائده، وقد علمّته السوداوية. فيقول: “وربما أن إحساسي المبكر بالظلم البشري، والفوارق الاجتماعية، اكتسبته من نشأتي في هذه القرية الحائرة بين الصحراء والمدينة، والمنقسمة إلى أمراء وفلاحين. وأعتقد أن ماركس كان ينبغي أن يولد في السلمية وليس في ألمانيا، ليخترع نظريته في الصراع الطبقي”.
  • الشعر لدى الأديب قضية أخلاقية، فأي شعر يخون قضية الإنسان أينما كان وإلى أي عرق انتمى، تنتفي عنه قيمة الأصالة! يعبّر عن اعتراضه على هذا النوع من الشعر الكلاسيكي الذي تناوله النظاميين من “مرتزقة الشعر ومطربي المنابر”، ويقول: أنا أمقت هذا النوع من الشعر السياسي لأنه مجرد بيانات سياسية وبلاغات مشتركة موزونة ومقفّاة، وللتدليل على عقمها وعدم جدواها، ما آلت إليه قضية فلسطين التي لم ينلها من السياسة بقدر ما نالها من الشعر“.
  • لم يكن الأديب (صدامياً) بطبيعته قبل دخول السجن -حسب تصريحه- بل كان انعزالياً، وقد عاش أجمل أيام حياته مع البدو يرعى الماشية في الصحراء، ويقرأ جبران خليل جبران، وينعم بقلبه الذي كان لا يزال أخضراً حتى ذلك الوقت. لكنه يقول بعد تجربة السجن: أتحدى أي إنسان دخل السجن ولو يوماً واحداً، أن ينساه أبداً. نحن جيل رضع الإرهاب السياسي. ولم يفطم على أي حليب آخر، لذلك تراني مسكوناً بالذعر وأي شيء يخيفني، حتى لو كان مجرد فاتورة كهرباء. فحين يصبح للإنسان قضية، لا بد أن تتبعها إضبارة أمنية“.
  • كم يبدو الأديب حساساً نحو اللغة العربية! فعن مرجعيته الأولى والتي شكّلت لديه حصيلة لغوية مثقلة بمفردات نافرة، يقول: مرجعيتي الأولى في اللغة العربية هي القرآن الكريم، فقد قرأته باكراً، وإلى الآن ما إن أحس بخطأ لغوي ما أو إيقاعي، ثمة جرس يرن في ذاكرتي، ينبهني إلى خطأي ما زلت أتذكر رائحة صفحات القرآن العتيقة وكيسه القماشي. أنا رجل يعشق اللغة العربية، وأحب واو العطف وكاف التشبيه، أكثر من أي قاموس أجنبي. ربما لو كنت مثقفاً وتعلمت لغات أجنبية لكتبت طلاسم مثل أدونيس“.
  • وفي شذرات، يقول الأديب قولاً بليغاً:
    • “البطولة في عصرنا نادرة .. كالطوابع التذكارية”
    • “المبدع في الشرق عامة .. قط جائع في حانوت للمعلبات”
    • “الطغاة كالأرقام القياسية .. لا بد وأن تتحطم في يوم من الأيام”
    • “لا يمكن ترويضي .. إلا بالموت”

ختاماً، إنه كتاب ممتع .. أصدق ما يقال عنه أنه يعرض سيرة ذاتية لإنسان عربي حر وصادق.

 

= = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = =

نقلاً عن المفكرة: جاء تسلسل الكتاب (25) ضمن قائمة لا تنتهي من الكتب التي خصصتها لعام 2024، والذي أرجو أن يكون استثنائياً بحق في جودة الكتب التي سأحظى بقراءتها فيه، وهو في الترتيب (5) ضمن قراءات شهر مارس .. وقد حصلت عليه من معرض للكتاب في إحدى المدن العربية عام 2023 ضمن (400) كتاب تقريباً كانوا حصيلة مشترياتي من ذلك المعرض.

وعلى رف (الأدب العربي) في مكتبتي، عدد كبير من الإصدارات  .. أذكر منها: (وحي القلم) – تأليف: مصطفى صادق الرافعي / (الأدب الصغير والأدب الكبير) – تأليف: عبد الله بن المقفع / (من لغو الصيف) – تأليف: طه حسين / (رسائل مي: صفحات وعبرات من أدب مي الخالد) – تأليف: مي زيادة / (الاحلام المشرقية: بورخيس في متاهات ألف ليلة وليلة) – تأليف: عيسى مخلوف / (وقائع عربية) – تأليف: محمد المنسي قنديل / (اللغة العالية: العربية الصحيحة للمذيع والمراسل ولكل صحفي) – تأليف: عارف حجاوي / (أن نلبس سروالاً قصيراً: نصوص ما فوق الركبة) – تأليف: ابراهيم محمود / (أخاديد) – تأليف: حذيفة العرجي / (اهتزازات الروح: عشرة بحوث في أدب العرب وفكرهم) – تأليف: أ. د. عيسى العاكوب / (حديث المساء) – تأليف: أدهم شرقاوي

من فعاليات الشهر: يقابله في العام الهجري 1445 شهر رمضان المبارك، والذي انقطع فيه عادة عن القراءة، غير أنني تمكّنت من استقطاع وقتاً يسيراً للقراءة في هذا العام، وكان مثمراً.

تسلسل الكتاب على المدونة: 475

تاريخ النشر: أبريل 1, 2024

عدد القراءات:482 قراءة

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *